قتادة؛ لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان بعد ولادة موسى ﵇ فلما بعث الله موسى أعاد القتل علي بني إسرائيل غيظًا وحنقا، وزعمًا منه أنه يصدهم بذلك عن مظاهرته ظنًّا منه أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكه على يده، وقد شغلهم الله عن ذلك بما أنزل عليهم من أنواع العذاب كالضفادع والقمل والدم والطوفان إلى أن خرج بنو إسرائيل من مصر، فأغرق الله فرعون وجنوده وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ أي: إلا في خسران وهلاك لا يغنى عنهم شيئًا، وهذه الجملة جئ بها في تضاعيف ما حكى عنهم من الأباطيل للمسارعة إلى بطلان ما أظهروه من الوعيد، واضمحلاله بالمرة، والإظهار في موضع الإضمار حيث لم يقل وما كيدهم لذمهم بالكفر، والإشعار بعلة الحكم.
وقال فرعون لقومه: اتركونى أقتل موسى، وكان فرعون إذا هَمَّ بقتل موسى ﵇ كَفُّوه بقولهم: ليس هذا مما تخافه فهو أقل من ذلك وأضعف، وما هو إلا ساحر يقاومه ساحر مثله. وإنك لو قتلته أدخلت على الناس الشبهة، واعتقدوا أنك عجزت عن مظاهرته بالحجة، وعدلت إلى المقارعة بالسيف، ولكنه كان قتالًا سفاكًا للدماء في أهون شيء. فكيف لا يقتل من أحسّ أنه هو الذي يثل عرشه ويهدم ملكه. ولكنه مع ذلك كان يخشى إذا همَّ بقتله أن يعاجل بالهلاك، فقوله: ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى … الآية﴾ كان تمويهًا على قومه، وإيهاما بأنهم هم الذين يكفونه - وماكان يكفه في واقع الأمر إلاَّ ما تمتلئ به نفسه من هول وفزع وقوله: ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ تجلد منه وإظهار لعدم المبالاة بدعائه أي: لا يهولنكم ما يذكر عن ربه فإنه لا حقيقة له، وأنا ربكم الأعلى .. قال ذلك استهانة بموسى حسب ظاهره .. كما يقال: ادع ناصرك فإنى منتقم منك. أما بحسب باطنه فكانت ترتعد فرائصه. ويضيق صدره. وتتلاحق أنفاسه خوفًا من دعاء موسى لربه، ثم يقول تبريرًا لما زعم أنه يريد قتله، للتمويه على أتباعه: