الذي نجا مع موسى ﵇ وهذا الرجل هو المراد بقوله: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى … الآية﴾ (١) وهو قول مقاتل، وقال ابن عباس: لم يكن مؤمن من آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون، ولم يتعرض له فرعون بسوءٍ؛ لأنه كان ابن عمه وصاحب شرطته كما قال الآلوسي، أو لأنه كان يكتم إيمانه عن فرعون وملئه دون موسى ﵇ ومن اتبعه - قال هذا الرجل المؤمن لقومه -: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: أتقصدون قتله كراهة أن يقول: ربي الله وحده من غير رَوِيَّة منكم في أمره، وقد جاءكم بالمعجزات الظاهرة الشاهدة على صدقه، والأدلة الكثيرة، وهذا استنكار من ذلك الرجل عظيم، وتبكيت لهم شديد، كأنه قال: أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة. وما لكم من شيء تأخذونه عليه إلاَّ كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله: ﴿رَبِّيَ اللَّهُ﴾ والحال أنه قد جاءكم بالبينات التي عاينتموها وشاهدتموها لا بينة واحدة جاءكم بها من عند ربكم الإله الحق. وهذا استدراج لهم إلى الاعتراف واستنزال لهم عن رتبة المكابرة. ثم أخذهم بالاحتجاج فقال:
﴿وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ﴾ ولم يكن ذلك لشك في رسالته وصدقه، ولكن تلطفًا في كفِّهم أي: لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله:
﴿وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ أي: وإن يكن موسى رسولًا صادقًا، يصبكم بعض العذاب الذي يتوعدكم به إن لم يصبكم كله إلاَّ إذا تعرضتم له بسوءٍ وفيه مبالغة في التحذير فإنه إذا حذرهم من إصابة بعض ما يتوعدهم به أفاد أنه مهلك مخوف، فما بالهم إذا أصابهم كله، وهذا كلام صادر عن غاية الإنصاف وعدم التعصب، ولهذا قدَّم احتمال كونه كاذبًا، وقيل: المراد بصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا. وهو بعض ما يعدهم، كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالًا عندهم.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾: استئناف قصد به احتجاج آخر ذو وجهين:
أحدهما: أنه لو كان مسرفًا كذابا لما هداه الله إلى البينات، ولما أيده بتلك المعجزات.
وثانيها: أنه إذا كان كذلك خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله، ولعله أراد به