زادهم من الوعظ والتخويف وقد قوى الله - تعالى - نفسه، وثبت قلبه، فلم يرهب فرعون، ولم يعبأ به، وأتى بنوع آخر من التهديد والتحذير فقال: ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ .. ﴾ الآية. أي: إني أخاف عليكم من تكذيب موسى والتعرض له بالسوء أن يحل بكم مثل ما حلّ بالذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم الماضية في أيامهم بمعنى وقائعهم التي أُذيقوا فيها وبال أمرهم، والظاهر جمع اليوم؛ لأن كل حزب يومًا ولكنه أغنى عنه إضافته إلى الأحزاب مع التفسير بما بعده في قوله تعالى:
أي: إني أخاف أن يحل بكم مثل جزاء دأب قوم نوح وعاد وثمود، أي: عادتهم الدائمة من الكفر وتكذيب الرسل وسائر المعاصي.
﴿وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ المراد بهم قوم لوط ﴿وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ﴾ فلا يعاقب بغير ذنب ولا يخلى الظالم منهم بغير انتقام، يعنى أن عذابهم وتدميرهم كان عدلا؛ لأنهم استحقوا ذلك بأعمالهم، وهو أسلوب بلغ الغاية في البلاغة لنفى الظلم عنه - تعالى - حيث جعل المنفى فيه إرادة الظلم، ومن كان بعيدًا عن إرادة الظلم لعباده كان عن الظلم أبعد وأبعد.
خوفهم العذاب الأخروي بعد تحويفهم بالعذاب الدنيوى. وأفصح عن إيمانه إما مستسلما موطنا نفسه على القتل، أو واثقا بأنهم لا يقصدونه بسوء، وقد وقاه الله شرهم بقوله الحق، ويوم التناد هو: يوم القيامة. سمى بذلك؛ لأنه ينادى فيه بعضهم بعضًا للاستغاثة، أو يتصايحون فيه بالويل والثبور، أو لتنادى أهل الجنة وأهل النار فينادى أصحاب النار أصحاب الجنة، وأصحاب الجنة أصحاب النار، كما جاء في سورة الأعراف، وقال ابن عطية: يحتمل أن يراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة.