أي: إن هذه الحياة الدنيا تَمتُّعٌ أو مُتمَتَّعٌ به يسيرٌ لسرعة زوالها، أجْمل لهم القول أولًا حيث قال: ﴿اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ ثم فصل فافتتح بذم الدنيا، وتصغير شأنها؛ لأن الإخلاد إليها رأس كل شر، ومنه تتشعب فنون ما يؤدى إلى سخط الله - تعالى - ثم ثنى بتعظيم الآخرة فقال: ﴿وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ﴾ لأنها الحياة الباقية وهي دار الاستقرار والخلود ودوام ما فيها.
ذكر الله في الآية الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منهما ليثبط عمَّا يتلف وينشط لما يُزلف فقال - سبحانه -:
﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا﴾ أي: من عمل خطيئة في الدنيا تعدى بها حدود الله فلا يجزئ في الآخرة إلاَّ بما يماثلها عدلًا من الله - جل شأنه -.
﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ أي: ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن مصدق بالله - جل شأنه - بقلبه، ومؤمن بالأنبياء ﵈ فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير تقدير وموازنة بالعمل. بل أضعافًا مضاعفة. تفضلًا منه - تعالي - ورحمة، وفي تقسيم العمال إلى ذكر وأنثى للاهتمام والإشعار بالشمول، والآية تفيد أن الإيمان شرط في اعتبار العمل والاعتداد به والثواب عليه.
وبعد أن قدم هذا المؤمن حديثه لقومه ناصحًا وموجهًا بذكر الدنيا وبيان أنها دار متاع وأنها لا تغنى عن المرء شيئًا يوم الجزاء، لما تدعو إليه من شر وفساد، ثم بين أن التعلق بالآخرة، والتفانى في الإقبال عليها سبب السعادة والنعيم، لأنها دار الخلود والدوام - بعد هذا الحديث - كرر نداء قومه إيقاظًا لهم من سنة الغفلة واعتناء بالمنادى إليه ومبالغة في توبيخهم على تثاقلهم عن الاستماع لنصحه، كما تبين ذلك الآيات القادمة.