وأسلم نفسى إليه، يحفظنى من كيدكم، ويقينى من سيئاتكم، إنَّه بصيرٌ بالعباد مطلع على أحوالهم التي من جملتها حالى وحالكم، لا يغيب عنه شأن، ولا تخفى عليه خافية.
والمعنى: فَوَقَى الله موسى ومن معه، وحفظه من فرعون وبطشه، وردّ كيده ومكره إلى نحره، وأنزل به وبقومه العذاب البالغ أقصى درجات السوء في الدنيا بالموت غرقا، وفي الآخرة بالنار إحراقا، وتلك عقبى الظالمين، ومثوى المتكبرين المتجبرين، ولم يصرح باسم فرعون امتهانا له، وإشعارًا بأصالته في المسئولية.
هذا كلام مستأنف مرتب على سؤال تقديره: كيف حال آل فرعون بعد غرقهم؟ فقيل: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا. . .﴾ الآية.
وفي هذه العبارة غاية التهكم بهم وامتهانهم، حيث بدَّلهم الله باسترواحهم بأنفاس الصباح الندية، وأنْسَام العِشاء الرخية - بدلهم بذلك - العَرْضَ على النار غدوًّا وعشيًّا في قبورهم ما دامت الدنيا حتى إذا قامت القيامة قال الله لخزنة جهنم: أدخلوا فرعون وآله المتجبرين أشد العذاب في جهنم في مقابل شدة جبروتهم.
وتحديد الوقتين لأنهما الوقتان المعتادان للاسترواح والراحة عند أهل الترف، فيكون ذلك أنكى في التهكم والسخرية، وأجلى في تصوير العذاب والامتهان، ويكون ما بين الوقتين متروكًا لأمر الله - تعالى - يجرى عليهم عذابًا آخر أو ينفس عنهم، ويجوز أن يراد بذكر الوقت التأبيد ما دامت الدنيا جريًا على الأُسلوب العربي في التعبير أحيانًا عن جميع الوقت بذكر الطرفين كما في قول الخنساء: