جهنم القُوام بتعذيب أهل النار: ادعوا ربكم يخفف عنَّا شيئًا من هذا العذاب الذي نعانيه، أو يدفع عنًا يومًا من أيام العذاب لعلنا نسترد به قوتنا، ونجمع فيه طاقتنا، فيقوى احتمالنا له، وصبرنا عليه.
وهو قول يمثل أقصى درجات المهانة والذل، فإنه ليس أذل على النفس، ولا أشد وقعًا من أن تبتغى الرحمة من القائم على تعذيبها، أو ترجو الإشفاق من جلادها، ولهذا اقتصروا في طلبهم على تخفيف قدر يسير، أو وقت قصير.
المعنى: قال خزنة جهنم لأهل النار الذين طلبوا منهم الدعاة بتخفيف العذاب عنهم - قالوا لهم - إلزاما وتوبيخًا على إضاعة أوقات الدعاء، وتعطيل أسباب الإجابة: ألم تُنَبَّهوا إلى هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا بالحجج الواضحة، والآيات البينة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما ينطق بذلك - قوله تعالى -: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى﴾ (١) أي: قال أهل النار لخزنة جهنم: نعم جاءونا ودعونا ونصحونا وأعذروا بالحجج والبراهين فعارضناهم وكذبناهم.
﴿قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ أي: قال خزنة جهنم لهم إمعانا في التوبيخ والتيئيس: إذ كان هذا شأنكم فادعوا أنتم؛ فإن الدعاء مِنَّا مستحيل لمن يفعل فعلكم وما دعاؤكم مهما تضرعتم وطال دعاؤكم إلا في بطلان وضياع.
ووضع الكافرين موضع ضميرهم بيانًا لمقتضيات البطلان، وقصد التوبيخ والامتهان، وقوله - تعالى -:
﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾: يحتمل أن يكون من جملة الكلام القول على لسان الخزنة، وأن يكون من كلام الله - تعالى - إخبارًا منه لرسوله ﷺ