والمعنى: لخلق السموات والأرض على اتساعهما، وامتداد طولهما وعرضهما، وحكمة نظامهما وما يحتويان من كائنات عظيمة، وما يختلف عليهما من تغاير أطوار، وتباين أحوال، وما يقع فيهما أو عنهما من أحداث - لخلق هذا كله - أكبر وأعظم من خلقه - تعالى - الناس، لأن الناس بالنسبة إلى تلك الأجرام العظيمة والأحداث الهائلة كلا شيء، والمراد: أن من قدر على خلق ذلك فهو - سبحانه - على خلق ما لا يعد شيئًا بالنسبة إليه بدءًا وإعادة أقدر وأقدر، وقوله - تعالى -: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ولكن أكثر الناس من الكفرة والمشركين لا يعلمون شيئًا من هذا، ولا يتدبرونه تدبرًا يهديهم إلى الحق، ويردهم إلى الإيمان والتصديق، فهو الذي تقتضيه الحكمة اقتضاء ظاهرًا ولكنهم لا يفقهون.
نفت الآية السابقة العلم عمّن عطل عقله، وجمد فكره فلم ينظر في آيات الله نظرة تأمل، ولم يعمق التفكير في قدرته الظاهرة في مخلوقاته، وجاءت هذه الآية تبرز هذا المعنى بالقياس بين الأعمى والبصير، وبين المحسن والمسئ، ليستبين الحق من الباطل.
والمعنى: وما يستوى الأعمى الذي لا يبصر مباهج الحياة ووشيها وجمالها، ولا يعرف عدوه من صديقه، ما يستوى هذا الأعمى مع البصير الذي له عينان تجولان في أرجاء الكون، وتنطبع على ناظريهما آياته، ويشاهد بهما البساتين وزهورها وثمارها، ويتمتع بصفحات الجمال في كل الكائنات علويها وسفليها، ويرى صديقه فيلاقيه، ويبصر عدوه فيتقيه، وإذا كان هذان لا يستويان في الاستفادة من آيات الحياة الدنيا والشعور بجمالها وجلالها، والاستمتاع بها، فالأعمى محروم والبصير يتقلب في النعيم، وإذا كان هذان لا يستويان فمثلهما المؤمن الذي يعمل الصالحات في دنياه، فينعم في الدنيا بحياته ويخلد في الجنة بعد مماته، فلا يستوى مطلقًا مع الكافر المسئ إلى نفسه وإلي ربه في حياته، الخالد في النار بعد مماته ﴿قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ فلا تدركون الحقائق على وجهها.