وقيل: معنى الأمر في قوله - تعالى -: ﴿ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا﴾ هو الإيجاد، أو كونا كما أردنا وقدرنا فكانتا، وعلى هذا الرأى يكون الأمر للسموات والأرض قبل خلقهما.
أَي: خلقهن خلقا إبداعيا وأتقن أمرهن حسبما تقتضيه الحكمة في يومين من أَيام الله ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا﴾ أَي: خلق - سبحانه - في كل منها ما اقتضت حكمته أَن يكون فيها من الملائكة والنيرات وغير ذلك مما يعرفه البشر وما لا يعرفونه، وقال قتادة والسدى: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وأفلاكها وخلق في كل سماء خَلْقها من الملائكة والخلق الذي فيها .. ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ أَي: جمَّل السماء الأُولى القريبة منا وحسنها بكواكب تضئ وهي النيرات التي خلقها الله زينة لها، وخص كل واحد منها بضوء معين وسر مصون وطبيعة خاصة لا يعرفها ولا يعلمها إلا الله.
﴿وَحِفْظًا﴾: أَي وحفظنا السماء حفظا من أَن ينالها تلف أو يصيبها ضعف ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أَي: ما تقدم من خلق الأَرض وما فيها في الأيام الأربعة، وخلق السماء وما حوت وضمت في يومين هو صنع العظيم القدرة الكامل العلم.
وما أحسن هذه الخاتمة وهذا التذييل لتلك الآيات فهذه الأعمال العظيمة لا تحصل ولا تتم إلا بقدرة كاملة وعلم محيط.
وللآثار التي ظاهرها التعارض اختلف في أَمر التقدم والتأخر في خلق كل من السموات وما فيها والأرض وما فيها - أيهما أسبق خلقا - فذهب بعض العلماء إلى تقدم خلق السموات وما فيها على خلق الأَرض وما فيها مستدلين بظاهر قوله - تعالى -: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٣)﴾ (١) أَي: دحا الأَرض بعد أَن سمك السماء ورفعها وسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها. وذهب فريق آخر: