استئناف لبيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد، إثر بيان محاسن الأَعمال الجارية بين العبد وربه ﷿.
وفي الآية ترغيب لرسول الله ﷺ في الصبر على أَذية المشركين، ومقابلة إساءَتهم بالإحسان.
ومعنى الآية: ولا تستوى الخصلة الحسنة والخصلة السيئة في الآثار والأَحكام، فإذا أَساءَ إليك مسئ فلا تقابله بمثل ما صنع، بل قابله بما هو خير وأفضل من سواه من أَساليب المعروف، فالفحش تقابله بالحلم والصبر، أَو تقول له: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإِن كنت كاذبًا غفر الله لك، والغلظة تقابلها بالمداراة، والإيذاء تقابله بالإحسان، إلى غير ذلك من المتقابلات، فإن فعلت ذلك صار عدوك المُشاقُّ مثل الصديق المشفق، بل قد تزول العداوة وتحل محلها الصداقة، وفي ذلك يقول الشاعر:
إن العداوة تستحيل مودَّة … بتدارك الهفوات بالحسنات
والآية - على ما قيل - نزلت في أَبي سفيان بن حرب، كان عدوًّا مبينًا لرسول الله ﷺ فصار عند أهل السنة وليا مصافيا - ذكره الآلوسي - وذلك لأن الرسول ﷺ لما فتح مكة عفا عنه، وقال:"من دخلَ دارَ أبي سفيانَ فهو آمن".
ومن الناس من لا تصلح معه الملاينة إذ يحسبها ضعفًا ويتمادى في سيئاته، فمثل هذا تستعمل معه المخاشنة بعد فشل استعمال الملاينة، وذلك في حدود الضوابط الشرعية.
وما يُؤتى خَصْلةَ دفع السيئة بالحسنة إلا الذين شأْنهم الصبر والحلم، وما يؤتاها إلا ذو نصيب عظيم من خصال الخير وكمال النفس - كما روى عن ابن عباس - أو ذو حظ عظيم من الثواب - كما قال قتادة -.