للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾ فيما سيأْتى ﴿وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾ - كما يقول المصدقون بالبعث - إن لي عنده لَلْجنة أو الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة بقياس أمر الآخرة على أمر الدنيا.

﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا﴾: يتهدد الله - تعالى - من كان هذا عمله واعتقاده بكشف مستور أمره، أي: فلنعلمنهم بحقيقة أعمالهم، ولنبصرنهم بعكس ما اعتقدوا. فيظهر أنهم مستحقون فيها للإهانة لا للكرامة التي توهموها وأشادوا بها، ولنذيقنهم من عذاب شديد لا يقادَرُ قدرُه ولا يُحَدُّ مداه، فهو كوثاق غليظ لا يمكن قطعه ولا يتسنى لهم التقَصِّى منه.

٥١ - ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُودُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾:

ضرب آخر من طغيان الإنسان، أي: وإذا أنعمنا عليه أعرض عن الشكر وذهب بنفسه وتباعد بكليته صلفًا وغرورًا. والجانب مجاز عن النفس كقوله - تعالى -: ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ (١) ويجوز أن يكون المراد بجانبه عطفه ويقصد الانحراف والازورار كما قالوا: ثنى عطفه وتولى بركنه.

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾: أي الضرر أو الفقر.

﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ أي: كثير مستمر، بمعنى أنه أقبل على الدعاء الدائم، وأخذ في الابتهال والتضرع، وقد استعير العَرْض لكثرة الدعاء ودوامه وهو من صفة الأجرام، كما استعير الغلظ لشدة العذاب، ولا منافاة بين قوله ﴿فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ وبين قوله: ﴿فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ مع أن كلا عند مس الشر؛ لأن الأول في قوم، والثاني في قوم آخرين، أو يئوس قنوط بالقلب، وذو دعاء عريض باللسان.


(١) سورة الزمر: الآية ٥٦.