﴿مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ أي: من أضل منكم؟ فوضع الموصول موضع الضمير شرحًا لحالهم وتعليلا لمزيد ضلالهم، حيث إنهم في خلاف بعيد غاية البعد عن الحق.
المعنى: سنريهم في الآفاق آياتنا الدالة على حقية القرآن وكونه من عند الله. وفسرت الآيات بما أُخبر به النبي ﷺ من الحوادث الآنية، وآثار النوازل الماضية وما يسَّر الله له ولخلفائه من الفتوح والظهور على آفاق الدنيا، والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب على وجه خارق للعادة. كما سنريهم آياتنا في أنفسم فيما ظهر بين أهل مكة خصوصًا وما حل بهم وقيل في الآفاق، أي: في أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم وما يترتب عليها من الليل والنهار. والأَضواء. والظلال والظلمات، ومن النبات والأَشجار والأَنهار، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة في تكوين الأجنة في ظلمات الأرحام، وحدوث الأعضاء العجيبة والتركيبات الغريبة، نفعل ذلك معهم حتى يظهر لهم أن القرآن هو الحقُّ الذي لا شك فيه فلا يأْتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كلُّه من عند الله المطلع على كل غيب وشهادة، ولهذا نصر حاملوه وكانوا محقين، وفي تعريف الحق من الفخامة ما لا يخفى جلالة وقدرًا، والتعبير بقوله:(سَنُرِيهِمْ) إشارة إلى أَنه تعالى لا يزال ينشئُ لهم فتحًا بعد فتح وآية غبَّ آية إلى أن يظهره على الدين كلِّه ولو كره المشركون.
(أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ): استئناف وارد لتوبيخهم على ترددهم في شأن القرآن وعنادهم المحوج إلى إراءَة الآيات الموعودة المبينة لحقِّية القرآن، أو لم يكفهم في ذلك أنه - تعالى - شهيد على جميع الأشياء وقد أُخبر بأَنه من عنده.