(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) أَي: لتنذر أهل أم القرى وهي مكة، وتنذر من حولها من سائر الخلق شرقا وغربا. وسميت مكة أم القرى لأن فيها البيت الحرام الذي يحج إليه أهل القرى العربية، ولهذا كان فراق الرسول حين هاجر منها صعبًا على نفسه، روى الإِمام أحمد بسنده: أن عبد الله بن عدى بن الحمراء أخبره أنه سمع رسول الله ﷺ يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة: "والله إنك خيرُ أرض الله وأحبُّ أرض الله إلى الله ولولا أنى أُخرجتُ مِنكِ ما خَرَجْت" وهكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن صحيح. لهذا الفضل استحقت أن نسمى أمًّا (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) وهو يوم القيامة ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد كقوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ﴾ (١) وفي العبارتين: (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا)(وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) احتباك فقد حذف من الأولى ما أثبت في الثانية، وحذف من الثانية ما أثبت في الأولى، أي: لتنذر أُم القرى ومن حولها يوم الجمع تنذر يوم الجمع أم القرى ومن حولها، ثم قرر ذلك بقوله:(لَا رَيْبَ فِيهِ) أَي: لا شك فيه.
(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) أَي: هذا التفريق بعد جمعهم في الموقف فإنهم يجمعون فيه أولًا ثم يفرقون بعد الحساب، منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في النار المستعرة. والجملة استئناف في جواب سؤال تقديره: ثم كيف يكون حالهم؟ فيجاب مما ذكر.
أي: ولو شاءَ الله لجعلهم في الدنيا أهل دين واحد، ولكنه - سبحانه - أراد أن يدخل في رحمته - وهي الإِسلام - من يشاءُ أن يدخله فيه ويدخل في عذابه من يشاءُ أن يدخله فيه ولا ريب في أن مشيئته - تعالى - لكل من الإدخالين لاستحقاق كل من الفريقين أن يدخل مدخله تبعًا لاختيار