(لَنَا أَعْمَالُنَا) لا يتخطانا جزاؤها ثوابًا أو عقابًا (وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ) لا تتجاوزكم آثارها، فنحن لا نستفيد بحسناتكم أو نتضرر بسيئاتكم. (لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ) أي: لا خصومة ولا محاجّة بيننا وبينكم؛ لأَن الحق قد ظهر ولم يبق للمحاجة حاجة، ولا للخصومة موقع أو مجال، ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة. (اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) أي: الله يجمع بيننا جميعًا يوم القيامة للحساب والجزاء وإليه وحده مصيرنا ومصيركم فيظهر هناك حالنا وحالكم، ويفصل بيننا وبينكم، ويلاقى كل واحد منا جزاءه من الثواب أو العقاب في هذا المصير المحتوم.
هذا، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسًا حتى تكون منسوخة بآية السيف، وبهذا يقول أبو السعود، وهذا - كما ترى - محاجزة في موقف المجاوبة، لا متاركة في موطن المحاربة حتى يصار إلى النسخ بآية القتال.
لما ذكرت الآية السابقة ظهور الحجة وانقطاع المحجة، جاءت هذه الآية تنعى على أهل الكتاب الجدل بالباطل واللدد في الخصومة، قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإِسلام، ومحاولة إضلالهم فقالوا:"كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم فديننا أفضل من دينكم" وفي رواية بدل - فديننا - "فنحن أولى به - تعالى - منكم".
والمعنى: والذين يحاجون من أهل الكتاب في دين الله بعد أن استجاب الناس لله أو لهذا الدين، وأذعنوا له، ودخلوا فيه أفواجًا لظهرر حجته، ووضوح محجته، وعدالة أحكامه، وسلامة قواعده - الذين يفعلون ذلك - (حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ) أَي: باطلة وزائلة لا تقبل عند الله، ولا تصح في منطق ولا عقل، بل لا يقام لهم حجة أصلا، لأن الحجة إنما تصح فيما يقبل فيه الرأْى ويستقيم الترجيح، والتعبير عن أباطيلهم بالحجة - وهي الدليل هنا - مجاراة لهم على زعمهم الباطل.