للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تحت لوائه في سبيل الله وشريعته، وفقد كفانا ما لقيناه من ذل الهزيمة والاستعباد. وكان الملك فيهم هو الذي يسير بالجموع.

أما النبي، فهو الذي يقيم أمره ويرشده ويشير عليه، فيطيع الملك أمره كسائر بني إسرائيل.

والخطاب في قوله ﴿أَلَمْ تَرَ﴾: لكل من تتأتي منه الرؤية والعلم. (١)

﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾:

هل: هنا - للتحقيق فهي بمعنى ﴿قد﴾، و ﴿عسى﴾ تفيد التوقع، وأُدخلت ﴿هل﴾ عليها لتحقيق ما يتوقعه النبي، و ﴿أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾: خبر ﴿عسى﴾.

والمعنى: قال لهم نبيهم مجيبًا لهم: أتوقع عدم قتالكم، إن كتب عليكم القتال، وذلك التوقع محقق عندي وثابت، وقد بنى توقعه هذا على تاريخهم في الجهاد، وجبنهم طول حياتهم أمام عدوهم، وقولهم لموسى حينما دعاهم للجهاد ﴿فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا … ﴾ (٢) فأَجابوا نبيهم:

﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾:

والمعنى: وأي شيءٍ يمنعنا من أن نقاتل في سبيل الله، ويصرفنا عنه مع وجود مقتضيه، فقد أخرجنا الأعداءُ من ديارنا، وطغى علينا قومُ جالوت، فاستباحوا أبناءَنا ونساءَنا، وهذه حالٌ تقتضي الجهاد، الذي تركناه طلبًا للعافية والسلامة ففقدناهما، فاسأل ربك ما طلبناه منك: من تنصيب ملك علينا: نقاتل معه، لنستردَّ أرضَنا، وكرامتنا، ومقدساتِنا.

﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ﴾:

أي: فلما فُرض عليهم قتال أعدائهم - بعد ما اختار لهم نبيهم ملكًا كطلبهم وبرزوا لقتاله، وشاهدوا جده في قتالهم - وَلِّوْا فرارًا وَجُبْنًا، إلا نفرا قليلًا منهم: آثروا أُخراهم على دنياهم، طمعًا فيما عند الله، وإيمانًا بأَن آجالهم قد قدرت عليهم،


(١) راجع ما كتبناه عن مثلها في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ﴾ البقرة: ٢٤٣.
(٢) المائدة: ٢٤