للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المُتقن، فإنهما بذاتهما وصفاتهما العجيبة تدلان على قدرته وعظمته وبديع صنعه، وَمَنْ له أدنى عقل وإنصاف يجزم باستحالة صدورهما من الطبيعة التي لا عقل لها ولا إرادة ومن آياته - أيضًا - خَلْقُ ما نشر وفرَّق في السموات والأرض من دابة وهي تشمل الملائكة والجن والإنس وسائر الحيوانات على اخنلاف أشكالها وألوانها ولغاتها وطباعها وأجناسها وأنواعها، وقد فرّقهم في أرجاء السموات، ونشرهم في أنحاء الأرض، وهو - مع هذا - على جمعهم وحشرهم بعد البعث للمحاسبة - إذا يشاء - تَامُّ القدرة كاملها.

وظاهر الآية: وجود الدَّابة في السَّموات والأرض وبه قال مجاهد وفسر الدابة بالنّاس والملائكة.

ويرى الزَّمخشرىّ: أنَّ ما في أحد الشيئين يصدق أنه فيهما على الجملة فالآية على أسلوب ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ (١) وإنما يخرجان من الملح.

ويجوز أن يكون للملائكة مشى مع الطيران فيوصفوا بالدبيب كما يُوصف به الأناسى، ولا يبعد أن يخلق الله في السموات حيوانا يمشي فيها مشى الأناسى على الأرض، وسبحان الذي خلق ما نعلم وما لا نعلم من أصناف الخلق. (انتهى كلام الزمخشرى ملخصًا). وصدق الله العظيم حيث يقول: ﴿وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (٢).

٣٠ - ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾:

أي: وما أصابكم ونالكم - أيها الناس - من مصيبة من مصائب الدنيا أو مكروه من مكارهها كالمرض والفقر والضيق وسائر النَّكبات فبسبب معاصيكم وما ارتكبتم من موبقات، واجترحتم من سيئات في الدنيا، ويعفو الله - سبحانه - عن كثير من الذنوب فلا يعاقب عليها بمصيبة عاجلا أو آجلا، ويجوز أن يكون المراد: ويعفو عن كثير من الناس فلا يعاقبهم، والظاهر: المعنى الأول وهو الذي تشهد له الأخبار.


(١) سورة الرحمن: الآية (٢٢).
(٢) سورة النحل: من الآية (٨).