قيل: نزلت في الأنصار دعاهم الله - تعالى - على لسان رسوله ﷺ للإيمان به وطاعته - سبحانه - فاستجابوا له فأثنى عليهم - جل وعلا - بما أثنى هنا.
والمعنى: والذين أجابوا دعوة خالقهم ومُرَبِّيهم إلى ما دعاهم إليه من التَّوحيد والعبادة وأجابوا رسله، واتبعوا أمره، وخافوا زجره، وأقاموا الصلاة بالمواظبة عليها والإتيان بها كاملة، والاحتفاء بها، وكان شأنهم التَّشَاوُر في شئونهم، ولا يُبرمون أمرا حتى يتدارسوا طلبا للعدل، وابتغاء الوصول إلى الحقّ، فلا ينفرد أحدهم برأى، ولا يستبدّ بهم فرد أو قِلَّة من النَّاس، ومما رزقهم الله وأنعم به عليهم ينفقون ويبذلون في وجوه الخير المتعدّدة وفي الآية حث على الشورى، أخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب وابن المنذر عن الحسن قال:"ما تشاور قوم قطّ إلاَّ هُدُوا لأرْشد أمرهم: ثم تلا (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) ولقد كانت الشورى بين النبي وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذلك بين الصحابة، وكانت - أيضًا - بينهم في الأحكام كقتال أهل الرِّدة، وميراث الجدّ، وعدد حدّ الخمر وغير ذلك، والمراد بالأحكام: ما لم يرد فيه نص شرعى، وإلَّا فالشورى لا معنى لها مع النص، وكيف يليق بالمسلم العدول عن حكم الله ﷿ إلى آراء الرِّجال، والله - سبحانه - هو العليم الخبير، ويُؤيد ما قُلنَاهُ ما أَخرجه الخطيب عن علي - كرَّم الله وجهه - قال: "قلتُ يا رسولَ الله: الأمرُ ينزل بِنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يُسْمَعْ منك فيه شئٌ قال: اجمَعُوا العابد من أُمَّتى واجعلوه بينَكُم شُورَى ولا تقضوهُ بِرأْى واحِد".
وينبغى أن يكون المستشار عاقلا عابدا - أخرج الخطيب عن أبي هريرة مرفوعًا "اسْتَرشِدُوا العاقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا".
هذه صورة الإِسلام المشرقة، وتلك تعاليمه الخالدة، يجعل من أوصاف المؤمنين وأخلاقهم التَّشاور في الأمر وجمع الرأي إلى الرأى.