عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ أي: أنهملكم فننحِّى عنكم إنزال القرآن الكريم الذي فيه شرفكم ورفعتكم، أنصرفه عنكم لأنكم لا زلتم مستمرين ومنهمكين وغارقين في الإسراف والضلال متجاوزين الحد في الكفر مصرين عليه أنفعل ذلك بكم؟ ولكن حكمتنا تقتضى أن نُذَكركم وننزل القرآن الكريم عليكم، ولا نترك ذلك بسبب أنكم تعرضون عنه ولا تلتفتون إليه، بل نفعل ذلك حتى لا يكون للناس على الله حجة: وقيل - المعنى - إن حالكم من الإعراض والغلو في الإسراف والكفر وإن اقتضى ترككم وشأنكم حتى تموتوا على الكفر وتمكثوا في العذاب الدائم، لكننا لسعة رحمتنا ومزيد فضلنا لا نفعل ذلك بكم بل نرشدكم وندلكم على الحق والصراط المستقيم. وهذا الرأى موافق في المراد لما سبقه.
قال قتادة: والله لو كان هذا القرآن رفع حين ردّته أوائل هذه الأُمة لهلكوا، ولكن الله ردّده وكرّره عليهم برحمته.
أي: وكثيرًا ما أرسلنا وبعثنا أنبياء ورسلا قبلك في أُمم سبقت وأقوام سلفت كانت تأتيهم رسلهم بالبينات والذكر، فقابلوهم بالسخرية والاستهزاء وشتى ضروب الأذى. ولكن أنّى لهم أن يفلتوا من عقابنا أو يسبقونا ويعجزونا عن أن ننكل بهم، وإلى ذلك يشير قوله تعالى:
أي: فأنزلنا عذابنا الشديد المهلك المستأصل بهؤلاء القوم الذين كانوا أقوى وأشد من قومك بأسًا وأكثر عنفًا وبطشًا وأصلب عودًا وأوفر جمعًا وعددًا، ولم يغنهم ذلك أو يمنعهم من عذابنا شيئًا، فمنهم من أرسل الله عليه الحصى والحجارة ومنهم من أخذه الله بالزلزال والصيحة وصاعقة العذاب الهون، ومنهم من خسف الله به وبداره الأرض، ومنهم من أغرقه الله وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.
وفي هذا مزيد من إدخال السرور والطمأنينة على قلبه ﷺ ووعد له بأن الله ناصره على قومه، كما فيه من الوعد بالويل والهلاك لهؤلاء الذين عاندوا رسول الله وكذبوه واستهزءوا به وسخروا منه.