هذه الآية الكريمة استمرار وامتداد لبيان أنعم الله وآلائه عليهم فبين لهم أنه - تعالت عظمته - نزَّل من السحاب ماءً بمقدار معلوم حسب إرادته ومشيئته الحكيمة، لا هو بالماء القليل الذي تشق أو تستحيل معه الحياة، ولا هو بالكثير الذي يتلف ويؤذى، بل قد يقتل ويفنى، وإنما هو بحسب ما يحتاجه الناس لهم ولدوابّهم واستنبات الزرع من أرضهم، ولذا قال تعالى:
﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ أي: فأحيينا به أرضًا قحلاء جرداء حيث جعلناها تنبت الزرع والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ (١) ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أي: مثل إحياء الأرض الجرز التي لم يكن فيها كلأ ولا نبات ثم أنبتت من كل زوج بهيج أي مثل هذا الإخراج والإحياء نخرجكم من قبوركم أحياء وننشركم بعد موتكم، وما ذلك على الله بعزيز فهو - سبحانه - خلقكم بدءًا، وكما بدأكم تعودون.
أي: وهو الذي - جل شأنه - خلق الأصناف كلها من جبال متنوعة الألوان والأحوال والأحجام، إلى أناس يختلفون في ألوانهم وألسنتهم، إلي حيوان تتباين أنواعه، إلي عوالم في البر والبحر وفي السموات وفي الأرض، لا يعلم حقيقتها إلا هو - سبحانه - ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ ومنّ عليكم وسخر وأجرى لكم من السفن ما يحملكم في جوفها، وذَلل لكم الأنعام من الإبل وغيرها ما تركبونه وتعلون ظهره.
أي: لتستقروا على ظهورها وتتمكنوا منها ثم تذكروا بقلوبكم وألسنتكم نعمة ربكم وعطاءه لكم وتقولوا: سبحان الذي سخر لنا هذا، أي: تجعلون ألسنتكم ترجمانا على ما ملأَ