﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ أي: إن هذا الصنف والنوع من المخلوقات المنكر لأنعم ربه أشد الإنكار مبالغ في ذلك، يبدو ذلك الإنكار منه واضحًا جليا أو يعلنه ويجاهر ويذيع به.
أي: بل اتخذ لنفسه - سبحانه - ممن خلقه أخسَّ النوعين شأنًا وأدناهما منزلة، وهو البنات وآثركم واختار لكم أفضلا وهو الذكور مع أنكم أشد خلق الله نفورا من الإناث وأمقتكم لهن حتى بلغ بكم المقت أشده، واستبد بكم البغض فاقترفتم في حقهن أبشع أنواع التنكيل، إنكيم وأدتموهن ودفنتموهن أحياء ولم تتحرك في قلوبكم رحمة الأبوة ولم تتردد في جوانحكم عواطف الإنسانية إنكم بزعمكم هذا وافترائكم قد فقدتم الحياء كله فلم تخجلوا من الشطط والجور في القسمة التي صورها فكركم السقيم وعقلكم المريض.
في هذه الآية يصور الله حالهم وشأنهم أنهم إذا ما أُخْبِرَ أحدهم أنه قد ولد له أنثى، إذا أُخبر بذلك ارْبَدّ واغتم واسودّ وجهه من سوء ما بشر به إن بعض هؤلاء السفهاء كان يغاضب زوجه إذا ولدت أنثى. روى أن بعضهم هجر لذلك البيت الذي فيه امرأته فقالت:
ما لأبي حمزة لا يأتينا … يظل في البيت الذي يلينا
غضبان أن لا نلد البنينا … ليس لنا من أمرنا ما شينا
في هذه الآية تكرير لإنكار الله عليهم زعمهم أنه - تعالى - اتخذ لنفسه بنات وأصطفاهم بالبنين أي: أو جعلوا لله - تعالى - من شأنه أن يتربى في الزينة من الذهب والفضة والحرير ونحوها مع أنه في الجدال غير قادر على تقرير دعواه بالحجة والبرهان، ولذا يلجأ إلى البكاء إذا عجز عن الدفاع، أيليق أن ينسب هذا الصنف إلى الله تعالى؟ ألا ساء ما يحكمون إن زعمهم هذا يدل على خفة أحلامهم وسفاهة عقولهم.