أي: أحضروا خلق الله إياهم فشاهدوهم إناثا؟ إنهم لم يشهدوا خلقهم، ولم يقفوا على أمرهم حتى يحكموا هذا الحكم، إذ لا سبيل إلى معرفة أنوثة الملائكة إلا عن طريق المشاهدة ولم يشاهدوا خلقهم، فلم يبق إلا طريق العقل أو النقل. والعقل بدوره عاجز وقاصر عن معرفة ذلك قطعا، لأن هذا الأمر ليس من الأمور التي يحكم فيها العقل ولم يأت بها النقل فدعواهم هذه لا سند لها من رؤية أو عقل أو نقل وقد هددهم الله وتوعدهم - سبحانه - بقوله: ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾: أي: أنها ستسجل وترصد في صحائف أعمالهم قال - تعالى - ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ (١) ﴿وَيُسْأَلُونَ﴾: عن دعواهم سؤال تقريع وإهانة، ويحاسبون على ذلك حسابا ينتهى بالعذاب الأليم؛ لأن هذه الدعوى ما هي إلا افتراء على الله وفحش في حق - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقال الكفار: لو شاء الله ألا نعبد الملائكة ما عبدناهم، ولكننا عبدناهم بمشيئته وإرادته، ويبنون على ذلك أنهم ما داموا قد عبدوا الملائكة بإرادة الله ومشيئته فلا يعاقبهم الله على ذلك لأنهم إنما فعلوا ما فعلوا على مقتضى مشيئة الله فرد الله عليهم بقوله: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾: أي ما هم إلا يتوهمون ويتقولون على الله زورا وبهتانا بدعوى أنه - تعالي - راض عن عبادتهم للملائكة فإنه - تعالى - واحد أحد فرد صمد، لم يلد ولم يولد، وقد بين لهم ذلك بآياته الكونية، وبرسالات رسله، ولذا عقبه بقوله:
أنكر الله - سبحانه - على المشركين عبادتهم للملائكة بلا دليل ولا برهان وأبطل دعواهم أي: بل أنزلنا عليهم وجئناهم بكتاب من قبل القرآن أو من قبل الرسول ﷺ نطق بصحة ما يدعون من هذا الباطل فهم بهذا الكتاب متمسكون وعليه يعولون؟ لم يثبت أن لديهم كتابا بذلك يستمسكون به.