عذابهم وذلِّهم ومهانتهم، وبهجة المتقين في نعيمهم وعزّهم ومكانتِهم، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة.
والمعنى: إن المؤمنين المتقين الذين حققوا لأنفسهم الأمن، وزكوها بعمله الصالحات الباقيات فَوَقَوْها من العذاب - إن هؤُلاء المؤمنين - ينزلون يوم القيامة في مقام أمين يأمنون فيه من الآفات والمنغصات، ومن كل ما يكرهون، لا يخافون من حرمان أو إقلال أَو فوات.
وقوله: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾ بيان للمقام الأمين، وما يحتويه من ألوان النَّعِيم من بساتين مثمرة مورقة، وعيون من الماءِ ثرة، بين الأشجار والزهور دافقة، وملابس متنوعة متفاوتة من رقيق الحرير، وغليظ الديباج الأَخاذ البرّاق مما كانوا يتحاشون استعماله في الدنيا طاعة، وتواضعا، وعزوفًا عن نعيمها، وهم بين هذا كله يتنعّمون بالجلوس على الأرائك متقابلين ينظر بعضهم وجوه البعض ولا يُعْرِض عنه، زيادة في التكريم والنَّعيم.
لا تزال الآيات موصولة في وصف نعيم التقين، أَي: الأَمر كذلك، أَو مثل هذه الإِثابة أَثبناهم، وقَرَنَّاهم زيادة في النعيم بحور عين كثيرات، من حور الجنة الجميلات اللاتى ترغب النفس في النظر إلى وجوههن وعيونهن الجميلة.
وقوله تعالى -: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ إشارة إلى أن نعيمهم لا يقف عند ما بين أيديهم وتحت نظرهم،، إنما هو شامل لكل ما يخطر ببالهم من كل ما يشتهون، أَي: يدعون ويطلبون كل ما يحبون وما يشتهون من كل فاكهة فتتوفّر لهم، لا يتخصص شيء منها بزمان أو مكان، آمنين لا يخافون من تعاطيها مضرَّة أَو وجعا أَو قلة أَو نفادا.