كان النضر بن الحارث يشترى أحاديث الأعاجم يلهى بها عن القرآن، ويعارضه، ولما سمع أبو جهل قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعَامُ الْأَثِيمِ (٤٤)﴾ سخر واستهزأ، وأحضر تمرا وزبدا فجمع بينهما، وأَكل منهما وهو يقول في سخرية: هذا هو الزقوم الذي يخوفنا محمَّد به، نحن نتزقمه، أَي: نملأ به أفواهنا، والمعنى: وإذا علم هذا الأَفاك الأَثيم وبلغه شيء من آياتنا من حجج أَو وعيد بادر إلى الاستهزاء بالآيات كلها ولم يقتصر على الاستهزاء بما علمه.
أولئك الكذابون الآثمون لهم عذاب بالغ المهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم، وقوله - تعالى -: ﴿مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ﴾ الآية:
أَي: من قدامهم جهنَّم؛ لأَنهم متوجهون إليها، وإلى ما أُعدَّ لهم فيها، أو من خلفهم بعد موتهم، فإِن الوراءَ اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أَو من قدّام، ولا يغنى عنهم ما كسبوا من الأولاد والأموال ولا يدفع شيئا من عذاب الله، كما لا يغنى عنهم ما اتخذوا من دون الله من الأصنام شيئًا، وإن زعموا غير ذلك. ولهم عذاب عظيم لا يقادر قدره، واختلاف الفواصل للترقى في وصف العذاب تبعًا لتعاظم الذنب، فالعذاب الأليم جزاءُ الإِصرار على الإِعراض عن الآيات، والعذاب المهين جزاء للاستهزاء بها أَشد وأَبلغ، والعذاب العظيم جزاء أَوفى لاتخاذ آلهة غير الله.