من مَكَّة إلى يثرب ويكون أَنصاره أَهلها إلى غير ذلك مِمَّا ذكر في كُتُبهم، فما وقع بينهم اختلاف في ذلك الأَمر إِلاَّ من بعد ما جاءَهم العلم، فجعلوا ما يُوجب زوال الخلاف مُوجبا لحُدُوثه وحصوله ظلما وعداوة وحسدا منهم للنبي ﷺ، وفي ذلك يقول الله - تعالى - في سورة البينة: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ إنَّ رَبك - أَيْهَا الرسول - سيفصل بينهم يوم القيامة بحكمه العدل فيما كانوا فيه يتنازعون ويتفرقون من أمر الدين، وسينال كل ما يستحقُّه من الجزاء، وفي هذا تحذير لأُمَّة محمَّد أَنْ تسلك مَسْلكهم وتنهج منهجهم لئلاَّ يصيبها ما أَصابهم وما سيُصيبهم، ولهذا قال سبحانه.
ثم جعلناك - أَيهَا الرسول، بعد اختلاف أَهل الكتاب - على طريقة واضحة، ومنهاج قويم من أَمر الدِّين الَّذِي شرعناه لك ولِمَنْ سَبَقَك مِنْ رُسلنا، فاتَّبع ما يُوحى إليك مِنْ ربِّك وهو شريعتك الحقَّة الثَّابتة بالدلائل والحُجَج، ولا تتَّبع ما لا دليل عليه مِنْ آراء الجهال في دينهم الباطل المبنيِّ على البدع والأَهواء.
قيل: المرُاد بهم بنو قريظة والنَّضير، وقيل: رؤساء قريش كانوا يقولون له ﷺ: ارجع إلى دين آبائك، واللَّفظ عام يصدق على كل مُعَوِّق طريق الحقِّ مُضِلِّ عن الصِّراط المستقيم.
ولقد جاءَ في البحر: الشَّريعة في كلام العرب: الموضع الذي يَرد منه النَّاس في الأَنهار ونحوها، فشريعة الله حيث يرد النَّاس منها أمر الله - تعالى - ورحمته والتقرب منه ﷿:(ذكره الآلوسي).
الجملة مستأْنفة وهي تعليل للنَّهى السابق في قوله - تعالى -: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَي: أَنَّ الطَّامِعِين في اتِّباعك لهم، الباذلين في سببيل ذلك كل نفيس، لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئًا لو اتَّبَعْتهم، وإِنَّ الظَّالمين المتجاوزين حدود الله