وبعد أن بين الله - سبحانه - أنه منزل الكتاب الحكيم وأنه - وحده - خالق السموات والأرض وما بينهما على مقتضى حكمته، وأن هؤلاء الكفار مع هذا كله معرضون ومدبرون عما خوفوا به من العذاب جاء قوله تعالى.
جاء هذا القول الحكيم تسفيهًا لهم، وقاطعًا عليهم سبيل اللجاج والجدل، أي: قل - يا محمد - لهؤلاء الضالين المكذبين الذين يعبدون غير الله من مخلوقاته أو مما تصنعه أيديهم - قل لهم -: أخبروني عما تعبدون من دون الله وتزعمون أنها آلهة تنزلفون إليها وتتقربون منها - أعلموني وأرشدوني - عن المكان الذي استقلت آلهتكم بخلقه من الأرض أخلقوا الماء أو اليابس؟ الشرق أو الغرب؟ السهل أو الجبل؟ الحيوان أم الجماد؟ عالم البر أو عالم البحر؟ دقيق المخلوقات أم عظيمها؟.
إن هذه المعبودات أقل شأنًا وأدنى منزلة من أن تخلق شيئًا، إنها مخلوقة لله، أو مصنوعة بيد الإنسان الذي خلقه الله، إنها لا تملك لكم رزقًا في السموات ولا في الأرض، إنها لا تضر ولا تنفع ولا تملك موتًا ولا حياة ولا نشورًا.
قل لهم - أيها الرسول على سبيل التدرج معهم -: ﴿أم لهم شرك في السموات﴾ أي: بل ألهم شركة وإسهام مع الله - جل شأنه - في خلق السموات؟ هل ساعدوا الله وأعانوه في شيء من ذلك؟ - قل لهم يا محمد -: ﴿ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم﴾ أي: هاتوا لي الدليل وأقيموا لديَّ الحجة، هل عندكم من كتاب من الكتب المنزلة من عند الله قبل القرآن نشهد لكم بذلك؟ أو هل لديكم بقية من علوم الأولين تنطق باستحقاقهم العبادة وأنهم خلقوا شيئًا من الأرض، أو اشتركوا في خلق السموات، أو هل اختصكم الله وحدكم بعلم من عنده يؤيد ما تدعون ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي: إن كنتم محقين في دعواكم فهاتوا ما لديكم من الأدلة؛ فإن الدعوى لا تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي، وحيث لم يقم عليها شيء من العقل أو النقل فقد تبين بطلانها، وأُقيمت الحجة عليكم وظهر ضلالكم وبهتانكم.