﴿وما أنا إلا نذير مبين﴾ أي: لست إلاَّ منذركم ومخوفكم عقاب الله حسبما يوحي إليّ مظهرا ومبيِّنًا ذلك لكم بالحجج القاطعة والمعجزات الباهرة التي يؤيدني الله بها.
والمعنى الإجمالي: لست أول رسول جاء بالوحي من الله، بل قد سبقني الرسل إلى أقوامهم مبشرين الطائعين، ومنذرين ومخوفين الكافرين والعاصين، ولست أعلم ما يحصل لي في الدنيا من البقاء في بلدي أم أخرج إلى غيرها وأهاجر إلى سواها، أم أُقتل كما قتل بعض الأنبياء قبلي، ولا أدري ما يحصل لكم: أتكذبون فتعذبوا وتستأصلوا أم تصدقون فتنصروا ثم تدخلوا الجنة، ولست إلا متبعا وممتثلًا أمر ربي، فليس لي من الأمر شيء فيما تقترحون وتطلبون من الآيات الغريبة والمعجزات العجيبة، وما أنا إلا منذر لكم ومخوف عقاب الله وَفق ما يأمرني به ربي مؤيدًا منه - سبحانه - بالحجج والبراهين الساطعة. وحسبكم القرآن في الدلالة على صدقه، فإنه آية الآيات.
روى البخاري ومسلم والنسائي عن سعد بن أبي وقاص ﵁ قال: (ما سمعت رسول الله ﷺ يقول لأحد يمشي على وجه الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام ﵁ وفيه نزلت: ﴿وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله﴾ وعلى هذا تكون الآية مدنية.
وقد روى أنه (لما قدم رسول الله ﷺ المدينة نظر عبد الله بن سلام إلى وجهه ﷺ فعلم أنه ليس وجه كذَّاب، وتأمله فتحقق أنه النبي المنتظر، وقال له: أني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أوَّل أشراط الساعة؟ وما أوَّل طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ فقال ﵊: أما أول أشراط الساعة