وما دفع هؤلاء الكافرين المكذبين إلى ما ذهبوا إليه إلا أنهم يظنون أن لهم عند الله وجاهة ومنزلة ومكانة، فهم يبنون أمر الدين على أمر الدنيا، وقد حكى القرآن الكريم ذلك عنهم فقال - تعالى -: ﴿لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ والكفار بظنهم هذا قد أخطأوا خطأ بينا؛ فقد غاب عنهم، بل أعماهم كبرهم فلم يهتدوا إلى أن الميل إلى الخير والانعطاف نحو الرسل واتباعهم إنما يكون ذلك منوطًا بكمالات نفسية وملكات روحية، مبناها الإعراض عن زخارف الدنيا والإقبال على الآخرة وما يقرب منها: ﴿وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم﴾ أي: أنهم لمَّا لم يصيبوا الهدى والرشاد بالقرآن الكريم مع وضوح إعجازه عادوه ونسبوه إلى الكذب، وقالوا: هذا كذبٌ قديم وأساطير مأثورة نسبها محمد إلى الله.
وقيل لبعضهم: هل في القرآن: (من جهل شيئا عاداه؟) قال: نعم، قال الله - تعالى -: ﴿وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم﴾، ومثله: ﴿بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه﴾ (١).
أي: ومن قبل القرآن كانت التوراة التي أنزلها الله على موسى ﵇ إمامًا يقتدى به في شرائعه - سبحانه - ورحمة لمن صدق به وعمل بما جاء فيه؛ وأنتم أيها الكفرة المكذبون لا تنازعون في ذلك؛ فالتوراة التي تؤمنون بها مشتملة على البشارة بمحمد ﷺ فإذا سلمتم أنها من عند الله - وأنتم مقرون بذلك - فاقبلوا حكمها بأن محمدًا رسولٌ - حقا - من عند الله.
﴿وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا﴾ أي: وهذا القرآن كتاب رفيع القدر عظيم الشأن مصدق لما نزل قبله من الكتب، وقد جاء لسانا عربيا فصيحا نازلا بلغتكم التي برعتم في