للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٢٤، ٢٥ - ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ﴾:

أي: فأتاهم العذاب الذي استعجلوه، فلما رأوه سحابًا ممتدًا في عرض الأُفق متوجها نحو أوديتهم حسبوه سحابًا ممطرًا، وكان المطر قد أبطأ عليهم فاستبشروا به، حيث ﴿قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ فرحًا به، ولا سيما أنه قد جاء من واد جرت العادة أن ما جاء منه يكون غيثًا - قاله ابن عباس وغيره - ولكن ما توقعوه تبين لهم أنه سراب خادع حين قال لهم هود : ﴿بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم﴾ أي: هو العذاب الذي استعجلتموه لما قلتم: ﴿فائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾ أتاكم متمثلًا في ريح كثيفة عاصفة تحل الفساطيط (١) وترفع الظعينة (٢) بين السماء والأرض ثم تضرب بها الصخور، وقد اعتزل هود ومن معه في حظيرة - كما روى عن ابن عباس - ما يصيبهم من الريح إلا ما تلين به الجلود وتلذه الأنفس، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة.

ونقل القرطبي عن ابن عباس أيضًا أنه قال: أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم وأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام حسومًا، ولهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال، واحتملتهم فرمتهم في البحر، فهي التي قال الله فيها: ﴿تدمر كل شيء بأمر ربها﴾ اهـ. أي: تهلك هذه الريح كل شيء مرت عليه من نفوسهم وأموالهم بإذن ربها وتقديره، وفي ذكر الأمر والرب والإضافة إلى ضمير الريح من الدلالة على عظمة شأنه ﷿ ما لا يخفى، وكان الرسول إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير


(١) الفساطيط: جمع فسطاط، وهو السرادق.
(٢) تطلق الظعينة على الجمل يظعن عليه، وعلى الهودج فيه امرأة أو لا.