لم يستعملوا سمعهم في استماع الوحي ومواعظ الرسل، وأبصارهم في اجتلاء الآيات الكونية الناطقة بقدرة الله ووحدانيته، وقلوبهم في التأمل طلبًا لمعرفة الله.
وإفراد السمع في النظم الكريم وجَمْعُ غيره لاتحاد المدرك به وهو الأصوات، وتعدد مدركات غيره، وقد تأتي الإضافة إلى جمع مرادا بها الجمع، فكأنه قيل: أسماعهم.
﴿إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾: تعليل لما سبق من عدم إغناء سمعهم عنهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم، أي: لأنهم كانوا يكفرون بالله وينكرون آياته المنزلة على رسله إعراضًا عنهم، وتكذيبًا لهم.
﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أي: ونزل بهم العذاب الذي أحاط بكل جهاتهم، وكانوا يستعجلونه بطريق السخرية والاستهزاء فلم يبق منهم ولم يذر أحدا.
٢٧ - ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾: تهديد آخر لكفار مكة وتخويف لهم بذكر سوء عاقبة أمثالهم السابقين.
والمعنى: ولقد أهلكنا القرى المجاورة لكم والمحيطة بكم كقرى عاد وحِجر ثمود ومساكن سبأ وقرى قوم لوط، وكانوا يمرون بها في أسفارهم وكانت أخبارها متواترة عندهم، وكررنا الحجج وأنواع البينات والعظات ووضحناها لأهل ثلاث القرى ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: لكي يرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي إلى الطاعة والإيمان.
الآية تهكم بالمشركين، والمعنى: فهلاَّ نصرهم الذين اتخذوهم آلهة يتقربون بها إلى الله تعالى لتشفع لهم، حيث كانوا يقولون: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ وهؤلاء شفعاؤنا عند الله، فهلاَّ منعوهم من الهلاك الواقع بهم؟! ﴿بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ﴾ أي: غابوا عنهم ولم ينصروهم؛ لأنهم آثمون بعبادتهم فكيف ينصرونهم أو يشفعون لهم؟ هذا إذا