بين الذين طبع الله على قلوبهم، وبين المهديين من المؤمنين لتُبرز مقدار سفه المشركين، ورشد المؤمنين.
والمعنى: ومن هؤلاء الكافرين المتورطين في نعيم الدنيا بغير اعتبار ولا تدبر للعاقبة - من هؤلاء - من يحضر إلى مجلسك ليستمع ما تقرؤه على أصحابك من قرآن، وما توجههم إليه من هَدْى، حتى إذا خرجوا من عندك وفارقوا المجلس قالوا لمن حضرك وكان معهم من الصحابة رضوان الله عليهم - قالوا - فور خروجهم: ماذا قال محمَّد سالفا في المجلس الذي كنا فيه؟ يقولون ذلك سخرية واستهزاء كأنَّهم لم يفهموا ما قال الرسول، أو كأنه كلام لا ينهض إلى درجة الفهم، أو لا ينبغي سماعه فضلًا عن فهمه - أولئك القائلون هذا القول - هم الذين طمس الله على قلوبهم، وأظلم بصيرتهم بسوء اختيارهم، واتبعوا أهواءهم الفاسدة، ونزعاتهم الطائشة فقالوا ما قالوا، وفعلوا ما فعلوا مما لا خير فيه.
أي: الذين طلبوا الهداية وحرصوا عليها حتى نالوها، وهداهم الله إلى طريق الحق وثبتهم عليها - هؤلاء - زادهم الله هدى بالتوفيق والفهم وآتاهم تقواهم، أي: أعانهم على العمل الصالح الذي يقيهم عذاب الله، ويدنيهم من ثوابه:
وقوله - تعالى -: (وآتاهم تقواهم) مقابل لقوله - تعالى - في شأن الكافرين: ﴿وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ ومن بديع التنسيق وإحكام الإعجاز أن أغلب الآيات في هذه السورة جار على هذا التقابل؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾. وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢)﴾ ومن ذلك أيضًا: ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. مقابل: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾.