والمعنى: ذلك الذي يجرى عليهم من المهانة عند الموت من ضرب وجوههم وأدبارهم إذلالا واستهزاء بسبب أنهم اتبعوا ما أسخط الله واستوجب غضبه من الكفر وارتكاب المعاصي وكرهوا ما يرضاه - جلّ شأنه - من الإيمان وعمل الطاعات، وما يقتضي مغفرته ورضوانه فأحبط الله أعمالهم، أي: أبطل ثواب الأعمال الطيبة التي عملوها حال إيمانهم.
وفي تعليل ضرب الوجوه والأدبار باتباع ما أسخط الله وكراهة رضوانه ما يشير إلى أن اتباع ما أسخط الله يقتضى التوجه والتحول فيناسبه ضرب الوجه، وكراهة رضوان الله يقتضي الإعراض والتولى فيناسبه ضرب الأدبار.
المعنى: بل أحَسِبَ الذين في قلوبهم مرض، فأخفوا كفرهم وأسروا ضغنهم وعداوتهم أنه لن يخرج الله أحقادهم فيظلوا مستورين مجهولين لا يفضح الله أحقادهم، ولا يعلن أضغانهم للرسول ﷺ وللمؤمنين؟ كلا، فهو حسبان باطل، وظن خاطئ، ولو نشاء إعلامك لأعلمناك بهم، ولعرفناكهم بدلائل تعرفهم بها بأعيانهم فلعرفتهم بسيماهم وبعلاماتهم التي نسمهم بها، والله لتعرفنَّهم في فحوى القول ومعاريضه، دون حاجة إلى تعريفك بسيماهم والعلامات المميزة لهم، والله يعلم أسراركم وخفاياكم فيجازيكم - أيها المنافقون - عليها لا يخفى على الله منها شيء.
والالتفات إلى نون العظمة في قوله - تعالى -: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ﴾ لإبراز العناية بالإراءة، وعن أنس ﵁:"ما خفي على رسول الله ﷺ بعد هذه الآية شيء من المنافقين".