ذكر الله ﷾ في هذه الآية الكريمة الأعذار المبيحة لترك الجهاد فمنها ما هو لازم كالعمى والعرج البيِّن، ومنها ما هو عارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول، فهو في حال مرضه ملحق بذوى الأعذار اللازمة حتى يبرأ فقال: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ أي: ليس على الأعمى إثم في التخلف عن الجهاد في سبيل الله، ولا على الأعرج إثم ولا على المريض إثم كذلك لما بهم من العذر والعاهة، وليس في نفى الإثم عنهم نهى لهم عن الغزو، بل قالوا: إن أجرهم مضاعف إذا خرجوا للقتال، ولقد غزا ابن أم مكتوم ﵁ وكان أعمى، وحضر في بعض حروب القادسية وكان يحمل الراية، كما غزا بعض العلماء (وهو أعمى) مع الجيش الإسلامى وهو يحارب التتار والصليبيين ولما سئل عن ذلك - وقد أذن الله له في ترك الجهاد - وما سيقدِّم من خدمات للجيش المقاتل؟ فقال: أكثِّر سواد المسلمين وأحرس متاعهم وأحرِّضهم علي القتال، وأستجيب لقول الله:"انفروا خفافا وثقالا"(١) وفي البحر: "لو حُصِر المسلمون فالغرض متوجِّه بحسب الوُسْع في الجهاد".
ثم قال ﵎ مرغِّبا - في الجهاد وطاعة الله ورسوله: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ أي: ومن يطع الله ورسوله في كل ما ذُكر من الأوامر والنَّواهى يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار، ومن يعرض عن طاعة الله ورسوله يعذِّبه عذابا بالغ الألم بالذِّلة والصغار في الدنيا والنار في الآخرة، وقيل في الوعيد:(يعذِّبه) إلخ دون يدخله نارا أو نحوه، لأن العقاب يوم القيامة بالعذاب الأليم يستلزم إدخال النار، وإدخالهم فيها لا يستلزم ذلك، والله أعلم.