اخرج فلا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله ﷺ فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك: نحر بيده، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأَوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا.
لقد رضي الله عن المؤمنين وقبل منهم مبايعتهم لرسول الله ﷺ ومعاهدتهم له على السمع وبذل الطاعة بما رضوا به ورضخوا له من بيع أنفسهم وأموالهم لله بأن لهم الجنة، مع علمه - سبحانه - بما في قلوبهم من الصدق والإخلاص في مبايعتهم وحبهم للإسلام وحرصهم عليه ونصرتهم له، فأنزل - جل شأنه - الطمأنينة وسكون القلب عليهم بصدق وعده وتحقق جزائه وأثابهم وجزاهم على تلك البيعة (فتحًا قريبًا) هو فتح خيبر والصلح مع أهلها، بعد عودتهم من الحديبية مباشرة.
وفي تقييد البيعة بأنها كانت تحت الشجرة إشارة إلى عظم منزلتها لدى الله لأنها كانت امتثالًا لأمر رسوله ﷺ بعد أن نزل عليه جبريل ﵇ وأمره بها، ولم تكن لخوف منه ﵊ ولذا استحقت رضاه - تعالى - الذي لا يعادله شيءٌ، وقد ترتب على هذا الرضا من الثواب ما لا يكاد يخطر على بال، ويكفي في ذلك ما أخرج أحمد عن جابر عن النبي ﷺ أنه قال:(لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) كما صح برواية الشيخين وغيرهما أنه ﷺ قال لهم: (أنتم خيرُ أهل الأرض).
أي: ومنحهم - سبحانه - مع هذا الفتح والصلح غنائم كثيرة وأموالًا وفيرة أفاءَ الله بها على المسلمين من خيبر، فجمع الله لهم بهذا الصلح أمنًا واطمئنانًا على نفوسهم من جانب هؤلاء اليهود مع رزقه واسع وخير عميم، والفضل في هذا كله لله - سبحانه - فهو العزيز الذي لا يغالب ولا يُقهر ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ والحكيم: الذي لا تجرى أحكامه وقضاياه إلا على مقتضى الحكمة.
هذا، وقد قسم النبي ﷺ غنائم خيبر بين المقاتلين فأعطى للفارس سهمين وللراجل سهمًا واحدًا.