للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان عليٌّ أحسن رأْيا من معاوية في هذا؛ لأنه لو قتل الذين قتلوا عثمان قبل تمام البيعة، لتعصبت لهم قبائلهم وصارت حربا أُخرى، فانتظر بهم أن يستوثق الأَمر وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من أولياءِ دم عثمان في مجلس الحكم، فيجرى القضاءُ بالحق والمسلمون يد واحدة.

٣ - يستنبط من قوله - تعالى -: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ أن لا يطالبوا بما جرى بينهما من دم، ولا ما أُنفق من مال، ففي طلب ذلك منهم تنفير لهم عن الصلح.

٤ - قال القرطبي: لا يجوز أن يُنْسبَ إلى أحد من الصحابة خطأٌ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله ﷿، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا الله بالكف عما شجر بينهم، وأن لا نذكرهم إلا بأحسن الذكر لحرمة الصحبة، ونهي النبي عن سبهم، وذكر أن الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم، قال - تعالى - في سورة التوبة: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ … ﴾ (١) وقال في سورة الفتح: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ … ﴾ (٢) هذا مع ما ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي "أن طلحة شهيد يمشي على الأرض" فلو كان ما خرج له معصية لم يكن بالقتل فيه شهيدًا.

ثم قال القرطبي: وسئل بعضهم عن الدماء التي أُريقت فيما بينهم فقال: تلك دماء طهر الله منها يدي فلا أُخضِّب بها لساني. يريد التحرز من الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبًا فيه.

ثم قال القرطبي: وقال الحسن البصري: قتال شهده أصحاب محمَّد وغِبْنَا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا. قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف


(١) من الآية ١٠٠.
(٢) من الآية ١٨.