وقوله - تعالى -: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ … ) إما مرتبط بقوله - تعالى -: (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ويوم: ظرف معمول لظلام، وإما مفعول به لفعل محذوف تقديره: اذكر لهم يوم. وهو سؤال وجواب جئ بهما على منهاج التمثيل والتخييل لتهويل أمر جهنم وأنها مع اتساعها وتباعد أقطارها يُطرح فيها من الجِنَّة والناس فوج بعد فوج حتى تمتلئ، أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعدُ محلّ فارغ؟ أو أنها لغيظها على العصاة، وحنقها منهم تطلب زيادتهم.
والمعنى: وما أنا بظلام للعبيد يوم نقول لجهنم هل امتلأت، أو: اذكر يا محمد وأنذر بهذا اليوم الآتى لا محالة يوم نقول لجهنم وقد دفعت إليها أفواج الكافرين الضالين: هل امتلأت؟ وتقول بعد امتلائها: هل بقى من موضع لم يمتلئ؟ - تعنى: قد، امتلأت -، أو أنها تستزيد وفيها موضع للمزيد.
هذا، ويجوز أَن يكون الكلام على تحقيق القول من جهنم، وهو غير مستنكر؛ فإنه - تعالى - سوف ينطق الجوارح فتشهد على صاحبها، والإذن لها بنفسين، ونحن متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم يمنع مانع، ولا مانع هنا فإن القدرة صالحة والعقل مجوّز، وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس بأمور الدنيا.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذى والنسائي وغيرهم عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: "لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط. قط. وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة وفضل حتى ينشئ الله لها خلقًا آخر فيسلكهم في فضول الجنة" وليس المراد بقدم الله حقيقة، فإنه - تعالى - لا يشبه الحوادث، ولكنه كناية عن أن النار ذليلة لأمره، وفسره بعضهم بأنه - تعالى - يضع فيها من يقدمهم للنار، قال ابن الأثير: قدمه، أي: الذين قدمهم لها من شرار خلقه، فهم قَدَمُ الله - تعالى - للنار، كما أَن المسلمين قدمه للجنة، والقدم: كل ما قدمت من خير أو شر. وقيل: وضع القدم أو الرجل مثل للردع والقمع، فكأنه قيل: تأتيها أمر الله فيكفّها عن طلب المزيد.