أكد القسم في الآيات السابقة صدق البعث والقيامة ووقوع الجزاء، ثم جاءت هذه الآيات وأنشأت قَسَمًا آخر يسفِّه عقول المشركين ويندد بغوايتهم وجهلهم فقال - تعالى -: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ).
والمعنى: وأقسم بالسماء ذات الطرائق المختلفة لمسيرة النجوم في خَلْق مستو وزينة منتثرة في نواحيها، إنكم أيها المشركون لفى قول متخالف متناقض متدافع فتعتقدون وجود الله، وتقولون بصحة عبادة الأصنام معه سبحانه، وتقولون في الرسول تارة: إنه مجنون، وأخرى إنه ساحر أو شاعر، والساحر لا يكون إلا عاقلًا حرِّيفًا، والشاعر لا يكون إلا موهوبًا متصرفًا وتقولون في شأن القيامة لا حشر ولا حياة بعد الموت، وتزعمون أَن أصنامكم شفعاؤكم عند الله يوم القيامة إلى غير ذلك من الأقوال المتضاربة، والآراه المتضادة.
ولعل النكتة في هذا القسم تشبيه أقوالهم في اختلافها، وتنافى أغراضها بطرائق السموات في تباعدها، واختلاف هيئاتها،
وقوله - تعالى -: (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) معناه: يصرف عن القرآن أو عن الرسول ﷺ من صرف عن الخير إذ لا صرف أفظع وأشد منه، وقيل: يصرف عنه من صرف في علم الله وقضائه.
ويجوز أَن يكون الضمير في (عَنْهُ) للقول المختلف على معنى: يصدر إفك من إفك عن القول المختلف وبسببه.
وقوله - تعالى -: (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) دعاءٌ عليهم كما في قوله - تعالى -: (قتل الإنسان ما أكفره) وأصله الدعاء بالقتل والهلاك، ثم جرى مجرى لُعن، أي: أُبعد الكذابون المقدرون لما لا يكون ولا صحة له عن رحمة الله، وهم أصحاب القول المختلف الذين هم في غمرة وشدة من الجهل والضلال غافلون ساهون عما أُمروا به:(يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي: متى وقوع يوم الجزاء؟ لا يقصدون بالسؤال استعلامًا، ولكن يسألون سخرية واستبعادًا.
وقول - تعالى -: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) جواب لسؤالهم بما يسوءهم من الجزاء الذي لا محالة نازل بهم، أي: يكون هذا الجزاء يوم يعذبون ويحرقون بالنار - قال عكرمة: ألم تر أَن الذهب إذا أُدخل