أُنزل على النبي الأُمي محمد ﷺ منذ أربعة عشر قرنًا (اهـ: المنتخب بتصرف) والأرض هيَّأنَاهَا وبسطناها لتستقروا عليها وتصلح لحياتكم فوقها، فنعم المهيِّئون لها نحن ونعم الجاعلون لها كالمهاد.
أي: ومن جميع المخلوقات خلقنا أزواجًا: سماء وأرضًا، وليلا ونهارًا، وشمسًا وقمرًا، وبرًّا وبحرًا وضياءً وظلامًا، وإيمانًا وكفرًا، وموتًا وحياةً، وشقاءً وسعادة، وجنة ونارًا، حتى الحيوانات والنباتات خلقنا في كل صنف منها الذكور والإناث، ولهذا قال - تعالى -: (لعلكم تذكَّرون) أي: فعلنا ذلك كله من بناء السماء وفرش الأرض وخلق الأزواج كى تتذكروا فتعرفوا أنه ﷿ الرب القادر الذي لا يعجزه شيءٌ فتعملوا بطاعة الله ولا تعبدوا سواه، وقيل: المراد بجميع ما ذكر الاستدلال على قدرة الله على البعث والحشر والنشر؛ لأن من قدر على إيجاد ذلك فهو قادر على إعادة الأموات يوم القيامة.
ثم فرّع على قوله - تعالى -: (لعلكم تذكرون) فقال: ففرُّوا إلى الله، أي: قل لهم يا محمد: فسارعوا إلى طاعته وثوابه وفروا من معصيته وعقابه، وهو تمثيل للاعتصام به - سبحانه - واللُّجوء إليه والاعتماد في الأمور عليه، إنِّي لكم من عقابه المعد لمن لم يفر إليه - سبحانه - ولم يوحّده نذير مبين، بيَّنه الله - سبحانه - بالمعجزات، أو مبين ما يجب أن يحذر منه.
(وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر … ) إلخ عطف على الأمر السابق في قوله - تعالى -: (فَفِرُّوا إلى الله) وهو نهى صريح عن الإشراك بالله، على نحو: وحدوه ولا تشركوا به.
والمعنى: ولا تشركوا به شيئًا إنِّي لكم من الله ندير مبين عاقبة الإشراك، وكرّر قوله تعالى:(إني لكم منه نذير مبين) في الآيتين السابقتين لاتِّصال الأول بالأمر والثانى بالنهي والغرض من ذلك كله الحث على التوحيد والمبالغة في النصيحة والتأكيد، وعلل لذلك