المنون: الدهر، من المن، بمعنى القطع؛ لأنه يقطع الأعمار، والريب: مصدر (رابه) إذا أقلقه فيكون المراد حوادث الدهر وصروفه التي تقلق النفوس، أو المراد بالمنون: الموت، وريبهُ: نزولُهُ.
روى أن قريشًا اجتمعت في دار الندوة وكثرت آراؤهم فيه ﵊ حتى قال قائل منهم: تربصوا به ريب المنون؛ فإنه شاعر يهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت هذه الآية، وقد نفى الله - تعالى - عنه فقال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ .. ﴾ الآية ٤١ من سورة الحاقة.
أي: قل لهم - يا محمَّد متهكمًا بهم مهددًا لهم -: انتظروا موتي ما شئتم فإني أتربص وأنتظر هلاككم وفناءكم كما تتربصون هلاكي ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.
وفي هذا الأسلوب عِدَةٌ وبشارة لرسوله ﷺ بأن الله مهلكهم ومبيدهم. ثم تنتقل الآيات مستهزئة بهم ساخرة منهم ومن عقولهم وذلك في قوله - تعالى -:
أي: بل أتأمرهم عقولهم وألبابهم بهذا التناقض في القول، فتارة هو عندهم كاهن؛ وتارة مجنون، وتارة أخرى شاعر، وكانت قريش يُدْعَوْن أهل النهى والأحلام الراجحة، لأن جميع العالم العربي يأتونهم ويخالطونهم، ولكنهم في شأن الرسول أغفلوا عقولهم وأهدروا الاحتكام إليها والعمل بمقتضاها.
وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله - تعالى - بالعقل؟! فقال: تلك عقول كادها الله ﷿ أي: لم يصحبها التوفيق، فلذا لم يؤمنوا وكفروا.