ويصدون عنك؟ إنك لم تطلب منهم أجرًا على تبليغ رسالة ربك، بل لقد أديت الأمانة وبلغت الرسالة على خير أداءٍ وأفضل تبليغ امتثالًا لأمر ربك، وكنت مع ذلك شديد الشفقة عليهم والرحمة بهم رغبة في إيمانهم.
أي: بل أعندهم ولديهم علم ما غاب عن الناس مما هو مسطور في اللوح المحفوظ وغيره ومما استأثر الله بعلمه، فعرفوا أن ما أخبرهم به محمد ﷺ من أمر القيامة وما فيها من بعث وحساب، ثم جنة أو نار، أعلموا أن ما أخبرهم به الرسول ﵊ ليس له حقيقة، وإنما هو أمرٌ باطلٌ، وهم لذلك يكتبون للناس بذلك ويخبرونهم؟ ليس هذا لديهم ولا هم في شيءٍ منه.
هذه الآية الكريمة من الأخبار بالغيب؛ لأنها نزلت قبل اجتماع المشركين في دار الندوة قبيل هجرته ﷺ إلى المدينة وائتمارهم عليه، فمنهم من كان يرى أن يحبس حتى يموت، واقترح آخرون أن يخرج وينفى من ديارهم، ثم اتفقوا جميعًا على أن يختار من كل قبيلة شاب جلد فيضربوا الرسول ﷺ ضربة رجل واحد فيتفرق دَمُهُ في القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف على قتالهم فيقبلون ديته، ولكن الله - سبحانه - أعماهم فهم لا يبصرون، وخرج ﷺ من بينهم بعد أن حثا التراب عليهم. والمعنى: بل أيريدون الخديعة والمكر بك لينالوا منك ويقضوا عليك، إن الله - سبحانه - لن يمكنهم منك، ولن يصلوا فيك إلى ما يريدون، فالله راعيك وحافظك، أما هم فبسبب كفرهم سينزل الله بهم عاقبة مكرهم، ووبال خداعهم ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (١) وسيلقون جزاءهم في الدنيا هوانا وقتلا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.