أي: بل ألم يخبر هذا الذي تولى عن الإِسلام وأعطى قليلا منه ولم يستمر عليه، ألم يخبر بتوراة موسى وصحف إبراهيم الذي وفى ما كلف به؟ فما أمره الله بشيءٍ إلَّا فعله، وما نهاه عن شيء إلَّا تركه - ألم يُخْبَر بما في هذه الصحف - أن لا تحمل نفس حاملة حمل نفس أخرى من الذنوب؟! فلا يؤاخذ أحد بذنب غيره، ولا يعاقب إلا بذنب نفسه.
وأطلق على النفس لفظ وازرة "حاملة" لأن من شأنها حمل الذنوب، سواء أكانت مذنبة أم لم تكن مذنبة.
فإن قيل: إن رسول الله ﷺ قال: "من سنَّ سُنَّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" فقد دل على أن الإنسان يحمل ذنب غيره، فالجواب أنه في ذلك يحمل ذنب إضلاله لغيره الذي هو ذنبه لا ذنب سواه، بالإضافة إلى ذنب نفسه، أمّا الآخر الذي قلده فإنه يحمل ذنب ضلال نفسه.
وتخصيص صحف موسى وإبراهيم بالذكر دون سائر الأنبياء؛ لأن موسى أقرب أصحاب الشرائع إليهم، وأن إبراهيم كان رسول الله إليهم، ولا تزال بقية مما جاء به معروفة بينهم، أما صحف غيرهما من الأنبياء فإنها لم تكن لها بقية لديهم.
وفي تفسير ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ قال الإِمام ابن عباس ﵄: كانوا قبل إبراهيم ﵇ يأخذون الرجل بذنب غيره، يأخذون الولي بالولي - أي: القريب بالقريب - في القتل والجراحة فيقتل الرجل بذنب أبيه وابنه وأخيه وعمه وخاله وابن عمه، والزوجة بزوجها، وزوجها بها وبعبدهِ، فبلغهم إبراهيم ﵇ عن الله تعالى:(أَن لَّا تَزِرُ نَفْسٌ وِزْرَ أُخْرَى).
وقال الحسن وقتادة وسعيد بن جبير:"وفَّى" أي: عمل بما أُمِر به وبلغ رسالات ربه، قال القرطبي: وهذا أحسن لأنه عام.
ونحن نقول: لا خلاف بينهم وبين ابن عباس فيما قالوه، لأن ابن عباس لا يقصد أنه اقتصر على تبليغهم ذلك، فإنه بعض ما أمره الله تعالى به ووفاه، ولذا قال تعالى في شأنه: