وفي رواية البيهقي: فسألوا السفار وقد قدموا من كل وجه، فقالوا: رأيناه: فأنزل الله - تعالى -: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾.
وقد أجمع جمهور المحدثين والمفسرين على أن الانشقاق حقيقة، قال القرطبى، ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره، من حديث ابن مسعود وابن عمر، وأنس، وجبير ابن مطعم، وابن عباس - رضي الله تعالى عنهم - ثم قال: وقال قوم: لم يقع انشقاق القمر بَعْدُ، وهو منتظر، أي: قرب وقوعه، يقول الماوردي تقريرًا لعدم وقوعه: إنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه لأنه آية، والناس في الآيات سواء.
وقيل معناه: وضح الأمر وظهر، والعرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح. ثم قال القرطبي: قلت: قد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة، وهو ظاهر التنزيل، ولا يلزم أن يستوي الناس في رؤيته، لأنها كانت آية ليلية، وأنها كانت باستدعاء النبي ﷺ من الله عند التحدى … (١) إلى آخر ما قاله القرطبي.
ونحن نقول: إنه آية وحقيقة مرئية، بدليل قوله - تعالى - عقب ذلك ما يلي:
فهذه الآية ناطقة بأنهم رأوا انشقاق القمر، ووصفوه بأنه سحر مستمر. أي: متتابع، وهو ظاهر في ترادف معجزاته ﷺ وقد اختلف في تفسير كلمة ﴿مُسْتَمِرٌّ﴾ فقيل: معناه دائم، وقيل: معناه ذاهب، قاله أنس وقتادة ومجاهد والفراء وغيرهم، واختاره النحاس، وهو يفيد أنهم يتعللون بذهابه تسلية لأنفسهم، وقال أبو العالية والضحاك معناه: محكم قوي شديد، من المِرَّة، وهي القوة، وقيل غير ذلك، والمعنى: وإن تُشاهد قريش علامة وبرهانًا على صدق محمَّد ﷺ يعرضوا عن الإيمان بنبوته، ويقولوا: هذا سحر؛ فإنه لا بقاء له، مع أن هذه الآية من أقوى الأدلة على نبوته، وإن مثلها كمثل
(١) ويجاب أيضًا بأن الانشقاق في وقت الغفلة، فلم يكن مهتما بأمره سوى قريش، وقد ذهب الناس إلى مضاجعهم فقريش هم الذين رأوه وقت التحدي، ولأن زمن الانشقاق كان قليلًا، ورؤية القمر في بلد لا تستلزم رؤيته في غيره، لاختلاف المطالع، فقد يكون القمر مرئيا في بلد ولكنه لا يرى في بلد آخر، لأن الأرض كروية، إلى غير ذلك مما ذكره الآلوسي، فارجع إليه فإنه وفى المقام حقه.