وعنادًا وأقرب طاعة وانقيادًا من كفار الأُمم المعدودين الذين أُهلكوا بسبب كفرهم، وهم قوم نوح وقوم وهود وقوم صالح وقوم لوط وآل فرعون - أكفاركم خير من أَولئكم - ليكون ذلك سندًا وحجة لهم من أَن يحل بهم مثل عذاب السابقين؟ ولأَن الاستفهام في قوله: ﴿أَكُفَّارُكُمْ … ﴾ إلخ انكارى في معنى النفى فكأَنه قيل: ليس كفاركم خيرًا من أُولئك الكفار في الدنيا وزينتها ولا ألين منهم شكيمة في الكفر والعصيان، بل هم دونهم في القوة وغيرها ممَّا تستدعيه مباهج الحياة، وأَسوأ حالًا منهم في الكفر والعناد، وقد أصاب من هم أقوى منكم ما أصابهم فلم لا تخافون أن ينزل بكم مثل ما نزل بهم من العذاب الذي أهلكهم، وتركهم أثرًا بعد عين مع أنكم دونهم قوة وبأْسًا، وأكثر منهم كفرا وعتوًّا.
وقيل: أكفاركم، ولم يقل أَأَنتم، للتنصيص على كفرهم المقتضى لهلاكهم.
﴿أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ﴾: إضراب وانتقال من التبكيت بما ذكر إلى التبكيت بوجه آخر، فكأنه قيل: بل أَلكفاركم براءَة وأمن من تبعات ما يعملون من الكفر والمعاصي فيما نزل من الكتب على الأَنبياء أو في اللوح المحفوظ كما يرى ابن عباس، فلذلك تصرون على ما أنتم عليه ولا تخافون.
٤٤ - ﴿أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ﴾:
إضراب وانتقال إلى وجه آخر من التبكيت، والالتفات من الخطاب إلى الغيبة للإيذان بإفضاء حالهم إلى الإعراض عنهم وإسقاطهم عن رتبة الخطاب، وحكاية قبائحهم لغيرهم.
والمعنى: بل أَيقول هؤلاء الكفار - واثقين بشوكتهم وغلبتهم على جند الله -: نحن أُولو حزم وعزم أمرنا مجتمع متحد لا يضام ولا يرام، أو منتصر بمعنى ممتنع على محمد وصحابته أو نحن جمع منتصر، أَي: متناصر ينصر بعضنا بعضًا ويعاونه، وروى أن أبا جهل ضرب فرسه يوم بدر فتقدم الصف وقال: نحن نَنْتَصر اليوم من محمد، أَي: نغلبه وننتقم منه، وكان الظاهر أن يقال: نحن جميع منتصرون إلاَّ أَنه أُفرد نظرًا للفظ جميع فإنه مفرد لفظًا جمع معنى، ورجح جانب اللفظ لخفة الإفراد مع رعاية جانب الفاصلة.