أما قول الحسن: إنهما بحرا فارس والروم، فإنه مخالف لصريح الآيات المذكورة، والقرآن يفسر بعضه بعضًا.
وقد ذكر الله أن هذين البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لا يبغيان، فأما التقاؤُهما فيكون عند مصاب الأنهار فيها، وأما البرزخ الذي بينهما فهو القدرة الإلهية التي منعت أن يبغى الماءُ الملح على العذب فيحوله إلى ملح، وأن يبغى العذب على الملح فيحوله إلى عذب، فبقى كلاهما يؤدى وظيفته التي خلق لها.
وهل هذا الحاجز هو أنه - تعالى - خلق الأرض كروية، وأن الارتفاع الكروى هو الذي يمنع أن يبغى أحدهما على الآخر، ويدل على ذلك أن الشمس تشرق في أرض قبل أخرى، وتغرب في أرض قبل أخرى، بسبب هذا التكوير، فيبقى كل منهما في مكانه لا يبغي على الآخر، ولا يمنع لقاؤهما في طرفيهما من أن يبقى ما وراء هذا اللقاء حافظًا لخواصه، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولا شك في أن جاذبية الأرض تبقى كل شيءٍ في مكانه، من جبال ورمال وإنسان وحيوان وغير ذلك، مع سرعة الأرض الخارقة في دورانها، ولو كانت الأرض مسطحة لبقيت الشمس مشرقة فيكون الوقت كله نهارًا لا ليل فيه، ولا بقي شيءٌ من البحرين محافظًا على خواصه، فإنه يندمج كل منهما في الآخر.
وقيل: إن البرزخ الذي بينهما هو الأرض اليابسة التي بينهما، وحينئذ يكون المراد من لقائهما تقابلهما وتجاورهما، والذي قلناه هو المتعين، وفيه من الدلالة على قدرة الله ما فيه، ويلاحظ أنه لا توجد أرض يابسة عند مصاب الأَنهار كما زعموا،