وختمت الآية وذيلت بقوله - تعالى -: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾؛ لئلا يتوهم أن خفاءه - تعالى - عن الأشياء يستلزم خفاء الأشياء عنه ﷿ ولكن ليس الأمر كذلك، بل هو - لا غيره - عالم كمال العلم وتمامه بكل ما كان وما هو كائن وما سيكون.
أي: هو- جلت قدرته - وَحدْهُ الذّي أوْجَد السّمَواَتِ والأرض وما فيهن في سِتَّة أوقات أو مقدار ستة أيام من أيام الدنيا ولو شاء - سبحانه - لخلقها في طرفة عين ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي: استواء يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، قال الإِمام مالك ﵀: الاستواءُ معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال الإِمام أحمد ﵀: أخبار الصفات تمر كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل، فلا يقال: كيف؟ ولم؟ نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء وكما شاء بلا حدٍّ ولا صفة يبلغها واصف أو يحدها حادّ. هذا هو مذهب سلف هذه الأُمة، أما مذهب الخلف فيؤولون الاستواء بالاستيلاء. ومذهب السلف - كما يقولون - أسلم، ومذهب الخلف أحكم ولكل وجهته.
﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ أي: هو- سبحانه - يعلم علما لا يدانيه علم بما يدخل في الأرض من القطر، والبذر، والحشرات، والهوام، والكنوز، والموتى، وغيرها يعلمه علمًا تفصيليًّا محيطًا ويعلم - كذلك - ما يخرج منها من نبات ونفائس ومعادن ونحوها مما تحويه الأرض وتضمه في أثنائها ﴿وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ أي: ويعلم - جلت عظمته - ما ينزل من السماء من ملائكة وشهب ومطر ورحمات أو نوازل ويعلم - أيضًا - ما يعرج فيها ويصعد إليها من كلم طيب ودعوات وعبادات أو ذرات البخار أو جن يسترق السمع أو أرواح تصعد إلى بارئها أو ملائكة ترفع أعمال العباد إلى مبدئها وخالقها قال - تعالى -: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ (١)، ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ أي: وهو - تعالى - مع خلقه جميعًا