أي: أيُّ سبب لديكم منعكم من إنفاق الأموال في سبيل الله - تعالى - والشأن فيها أنه لا يبقى لكم ولا لغيركم منها شيء، فأنففوا ولا تخشوا فقرًا أو إقلالا، فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض وأنها كلها باقية له ﷿ فهو مهلككم فوارث أموالكم.
﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ هذا بيان لتفاوت درجات المنفقين حسب تفاوت أحوالهم في الإنفاق، ذلك بعد أن أبان - قبل - أن للمنفقين جميعًا أجرا كبيرا، وجاء هذا للحث والترغيب في تحرى ما هو أفضل وأكثر ثوابًا من الأعمال، أي: لا يتساوى في الفضل والأجر من أنفق ماله، وبذل نفسه في سبيل الله قبل فتح مكة، أو قبل صلح الحديبية، مع من أنفق وقاتل بعد الفتح ﴿أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾ أي: أولئك الذين كتب الله لهم السبق في الإنفاق والقتال أرفع منزلة وأجل قدرا من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وإنما كان أولئك أعظم درجة من هؤلاء؛ لأنهم إنما فعلوا ما فعلوا عند شدة الحاجة إلى النصرة بالنفس والمال لقلة المسلمين آنذاك وكثرة أعدائهم، فضلًا عن أنه ليس هناك ما ترغب فيه النفوس من الحصول على المغانم والأسلاب، فكان ذلك أنفع وأشق علي النفس، وفاعله أقوى يقينًا بما عند الله - تعالى - وأعظم رغبة فيه، وليس الأمر كذلك بالنسبة للذين أنفقوا من بعد وقاتلوا.
﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ أي: وكل فريق من الفريقين من أنفق وقاتل قبل الفتح أو بعده بشَّره الله ووعده الحسني، قيل: هي الجنة، وقيل: هي أعم من ذلك كالنصر والغنيمة في الدنيا.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي: وهو - سبحانه - بما تعملونه ظاهرا وباطنًا خيرًا أو شرًّا خبير به وعليم يجازيكم علي حسبه، فهو وعد للمؤمنين الطائعين ووعيد للكافرين والمذنبين.
وهذه الآية - على ما ذكره الواحدى عن الكلبى - نزلت في أبي بكر الصديق ﵁ وهي تشمل غير ممن اتصف بذلك؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب