وقال الآلوسي نقلا عن ناصر الدين البيضاوي في تفسير (يُحَادُّونَ اللَّهَ) يضعون، أو يختارون حدودا غير حدود الله تعالى - ورسوله ﷺ، ثم قال نقلا عن شيخ الإسلام سعد الله جلبي: وعلى هذا ففيه وعيد عظيم لمن وضعوا أمورا خلاف ما حدده الشرع وسموها قانونا، والله - تعالى - المستعان على ما تصفون. انتهى بتصرف يسير.
ثم قال الآلوسي: إنه لا شبهة في أنه لا بأس بالقوانين السياسية إذا وقعت باتفاق الآراء من أهل الحل والعقد، على وجه يحسن به الانتظام، ويصلح أمر الخاص والعام، ومنها تعيين مراتب التأديب والزجر على معاص وجنايات لم ينص الشارع فيها على حد معين، بل فوض الأمر في ذلك لرأي الإمام، فليس ذلك من المحادة لله تعالى ورسوله ﷺ في شيء، بل فيه استيفاء حقه، تعالى عن أتم وجه، لما فيه من الزجر عن المعاصي وهو أمر مهم للشارع ﵊ ثم قال: وفي كتاب الخراج للإمام أبي يوسف عليه الرحمة وإشارة إلي ذلك، ولا يعكر على ذلك ونحوه قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) لأن المراد كماله من حيث تضمنه ما يدل على حكم الله تعالى خصوصا أو عموما، ويرشد إلي هذا عدم النكير على أحد من المجتهدين، إذا قال بشيء لم يكن منصوصا عليه بخصوصه ومن ذلك ما ثبت بالقياس بأقسامه، ونعم القانون الذي يكون وراء ذلك، بأن كان مصادما لما نطقت به الشريعة الغراء، زائغا عن سنن المحجة البيضاء، فيه ما فيه كما لا يخفي على العارف … إلخ.
والآية عن الأكثرين أشارت إلي ما كان يوم الخندق، ولكن حكمها عام، يتناول أهل الخندق وكل من يعارض أحكام الله - تعالى - ويعاديها ويؤثر عليها قوانين من وضع البشر مخالفة للنصوص الشرعية، ما لم تكن تلك القوانين فيما لم يرد فيه حكم الله تعالى، ويدل لجواز وضع القوانين فيما لم تنص عليه الشريعة أنه ﷺ بعث معاذ بن جبل الأنصاري الخزرجي إلي اليمن قاضيا ومفقها وأميرا وجامعا للزكاة، فقال له:"كيف تصنع إذا عرض لك قضاء؟ " قال: بما في كتاب الله، قال:"فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله ﷺ، قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله؟ " قال: أجتهد رأيي لا آلو -