هذه الآية حكاية لِمَا جرى بين الكفرة والمنافقين من الأَقوال الكاذبة، والأَحوال الفاسدة وتعجيب من سلوكهم وأَفعالهم بعد حكاية محاسن أَحوال المؤمنين، والإِشادة بأَخلاقهم الطيبة وشمائلهم الكريمة على اختلاف طبقاتهم، وترديد أَقوالهم السمحة.
والخطاب في الآية للرسول ﷺ أولا، ثم لكل أحد له حظ من تلقي الخطاب أَو الانتفاع بمضمونه.
والمعنى: أَلم تتعجب يا رسول الله أَنت ومن معك من أَحوال الذين تمكن منهم النفاق فأَخفوا الكفر وأَظهروا الإيمان مثل عبد الله بن أُبيّ وأَمثاله من المنافقين، وما ذهبوا إِليه من الخيانة وما تورطوا فيه من سلوك شائن، وعمل قبيح، إِنهم يقولون لإِخوانهم المتأَصلين في الكفر، وأَصدقائهم الذين يوالونهم من يهود بني النضير مؤكدين مقسمين: لئن أُخرجتم، وأُكرهتم على ترك بلدكم ووطنكم لنخرجن معكم تضامنًا ونصرة، ولا نطيع في شأنكم أَحدًا يمنعنا عن مناصرتكم أبدًا، وإِن طال الزمان، وإِن قوتلتم من أَحد كائنًا من كان أَو عاداكم أَحد لنكونن في نصرتكم، ومعاونتكم على عدوكم، والله يشهد إِن المنافقين لكاذبون في أَقوالهم، ضَالُّون مُضِلُّون في وعودهم، وإِن عززوا ذلك وأَكدوه بالأَيمان. وقوله - تعالى -: (وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) مبادرة بتكذيبهم إِجمالًا، بفصلها قوله تعالى:
والمعنى: إِنهم لكاذبون في وعودهم ضالُّون مُضِلُّون في أقوالهم، والله لئن أُخرج هؤلاء اليهود من بلدهم، وأُجلوا عن ديارهم لا يخرج المنافقون معهم، ولا يأبهون بهم، ولئن قوتلوا لا يكونون في نصرتهم، ولا يهتمون بما يجري عليهم أو يقع فيهم من قتل أَو هلاك وتشريد، ولئن خرج المنافقون لنصرهم أَو قاموا على سبيل الفرض والتقدير لتكونن عاقبتهم الهزيمة، وليولن الأَدبار فارين راجعين، وقد أَعطوا ظهورهم للمؤمنين إِعمالًا في الفرار، وإِمعانًا في الهروب ثم لا ينصرون أَي: ثم لا يكون هناك نصر اليهود لا تنفعهم وعود المنافقين، ويهلكهم الله، أَو ثم لا يكون هناك نصر للمنافقين ولا إِدراك لغاياتهم السيئة، وخططهم الفاسدة، ويفتضح أَمرهم، وينكشف كيدهم فينالون جزاءهم.