للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال عكرمة: هم التابعون، وقال مجاهد: هم الناس كلهم - يعني من بعد العرب الذين بُعِث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان: هم مَن دخل في الإِسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم إِلى يوم القيامة.

ويرد على هذه التأويلات أَمران:

(أَحدهما) أَن الضمير في (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) يعود على الأُميين في الآية التي قبلها وهؤلاءِ الذين ذكروا في التأويلات السابقة ليسوا أُميين، والأُميون هم العرب كما تقدم.

(وثانيهما) أَنه صلى الله عليه وسلم لا يُعلِّم هؤلاءِ الآخرين ولا يزكيهم، وإِنما يعلمهم ويزكيهم المسلمون الذين ورثوا الكتاب والحكمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويجاب عن الأَول: بأَن الذين يتوقع منهم الإسلام بعده صلى الله عليه وسلم أُمِّيُّون من جهة العلم النافع، فهم ما بين وثنيين وأَهل كتاب غيروه وبدلوه، فهم في حكم الأُميين، فلما أَسلموا تعلموا الكتاب والحكمة وطهرت نفوسهم، وبذلك زالت أُميتهم العلمية، على أَن غالبية الشعوب التي دخلها الإِسلام كانوا لا يقرءُون ولا يكتبون فهم أُميون باعتبار أَغلبيتهم.

ويجاب عن الثاني: بأَن إِسلام مَنْ بعده صلى الله عليه وسلم ناشيء عما تركه فيهم من آثار رسالته من الكتاب والحكمة، فكأَنه بُعِث فيهم، ولا تغفل عما فهمناه أَولًا من نص الآية، فهو أَظهر من تلك الآراءِ التي أَجبنا على ما وجه إِليها من الاعتراضات، والله ولي التوفيق.

وفي عموم رسالته صلى الله عليه وسلم لمن عاصروه ولمن بعدهم إِلى يوم القيامة يقول - سبحانه -: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١).

٤ - {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)}:

أَي: ذلك الذي تقدم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم في الأُميين وسواهم؛ ليهتدوا - ذلك - فضل الله وعطاؤه العظيم، يعطيه من يشاءُ وهو محمد صلى الله عليه وسلم ولا يشاءُ - سبحانه - لأَحد بعده،


(١) سورة الصف: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>