يقول الله ﵎ آمرا عباده المؤمنين أَن يكونوا أَنصار الله في جميع أَحوالهم بأَقوالهم وأَفعالهم وأَنفسهم وأَموالهم كما كان الحواريون أَنصار الله حين قال لهم عيسى: من أَنصاري إِلى الله؟ والحواريون: هم أَتباع عيسى وأَصفياؤه وأَول من آمن به، قيل: كانوا اثني عشر رجلًا فوقهم في البلاد وبعثهم دعاة إِلى الناس في البقاع المختلفة، واشتقاق الحواريين من الحَوَرِ وهو البياض؛ لأَنه كان ملبسهم، وقيل: لأَنهم كانوا قصارين يبيضون الثبات، وقيل: لنقاءِ ظاهرهم وباطنهم، وقيل: الحواريون هم المجاهدون.
وكذلك كان رسول الله ﷺ يقول في أَيام الحج:(مَنْ رجل يؤويني حتى أَبلغَ رسالةَ ربي؟) حتى قبض الله له الأَوس والخزرج من أَهل المدينة فبايعوه على أَن يمنعوه من الأَسود والأَحمر إِن هو هاجر إِليهم بمن معه من أَصحابه، ووفوا له بما عاهدوا الله عليه، ولهذا سماهم الله ورسوله الأَنصار وصار ذلك علما عليهم ﵃ وأَرضاهم، وقوله - تعالى -: (فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) أَي: لَما بلَّغ عيسى ﵇ رسالة ربه إِلى قومه وآزر من آزره من الحواريين اهتدت طائفة من بني إسرائيل مما جاءَ به وصَلت، فخرجت عما جاءَ به وجحدوا نبوته ورموه وأُمه بالعظائم والأَباطيل وهم اليهود - عليهم لعنة الله المتتابعة إِلى يوم القيامة - ونحلت فيه طائفة ممن اتبعه حتى رفعوه فوق ما أَعطاه الله من النبوة وافترقوا فرقا وشيعا، فمن قائل: إِنه ابن الله، ومن قائل: إِنه ثالث ثلاثة - الأَب والابن وروح القدس - وقوله تعالى - (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) أَي: فنصرنا وقوينا الذين آمنوا بعيسى على عدوهم الذين كفروا به فصاروا بتقويتنا ومساعدتنا غالبين منتصرين قال زيد بن علي: ظاهرين بالحجة والبرهان.
وقيل المراد:(فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ) أَي: فآمنت طائفة من بني إِسرائيل بمحمد ﵊ وكفرت به طائفة أُخري، فأَيدنا المؤمنين على الكفرة فصاروا غالبين، والله أَعلم.