للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعْبُدُوهُ) (١) ولكونه - جلت قدرته - عليمًا بما خلق فقد كتب على كلٍّ ما تختار، وتميل إِليه نفسه إِذ هو أَحكم الحاكمين (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٢) فلا يكره أَحدًا على أَمر ويعاقبه عليه (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أَي: وهو - سبحانه - بأَعمال خلقه عليم علمًا تامًّا محيطًا لا يعتريه قصور ولا تشوبه شائبة من نقص؛ بل يجازي كلًّا بما يناسب ما قدّم في دنياه إِن خيرًا فخير وإِن شرًا فشر، وقدم الكافر على المؤمن لكثرة الكافرين وقلة المؤمنين قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (٣).

٣ - {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣)}:

أَي: أَوجد السموات والأَرض جميعا بما فيهن ما ظهر لنا وبدا وما بطن وخفي، خلقها بالحكمة العظيمة والغرض الصحيح المتضمن للمصالح الدينية والدنيوية.

(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أَي: برأَكم وأَخراجكم في أَحسن تقويم وأَجمل تركيب وشكلكم على صور شتى يتميز بها كل مخلوق عمن سواه، وأودع فيكم القوى والقدر والمشاعر الظاهرة والباطنة التي تتعلق وتناط بها جميع الكمالات البارزة والكامنة، وزينكم بخلال وصفات جميل مصنوعاته، وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته، وجعلكم أَنموذج جميع مخلوقاته في هذه النشأة، [وقد ذكر بعض المحققين: أَن الإِنسان جامع بين العالم العلوي والسفلي وذلك لروحه التي هي من عالم المجردات، وبدنه الذي هو من عالم الماديات].

وخص بعضهم الصورة بالشكل المدرك بالعين فكل ما يشاهد من الصور الإِنسانية حسن، ولكنَّ الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب.

فلا نحطاط بعضها ونزوله عن مراتبٍ ما فوقها انحاطًا بينًا، وإِضافتها إِلى الموفي عليها


(١) سورة الأنعام: من الآية ١٠٢.
(٢) سورة فصلت: من الآية ٤٦.
(٣) سورة الأنعام: من الآية ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>