ومعني الآية: إِذا جاءَكَ المُنَافقون - أَيها النبي - قالوا نعترف بأَنك رسول الله وتشهد بذلك، يريدون يشهادتهم هذه نفي النفاق عنهم، ودفعًا للشبه التي تحوم حولهم، والله يعلم إِنك لرسول الله كما قالوا بأَلسنتهم، والله يشهد إِن المنافقين لكاذبون في ادعاء إِيمانهم، وكاذبون في أَن شهادتهم بأَلسنة توافق ما انطوت عليه قلوبهم.
وهذا يدل على أَن الإِيمان تصديق بالقلب، وعلى أَن الكلام الحقيقي هو كلام القلب، ومن قال شيئًا واعتقد خلافه فهو كاذب: أهـ.
وتلخيصًا لما قيل فيه نقول: إِن قولهم نشهد إِنك لرسول الله صادق من جهة الواقع وكاذب بالنسبة لما في قلوبهم التي لا تشهد بذلك، فهم بشهادتهم هذه يكذبون على قلوبهم التي لا تشهد بذلك لكفرهم.
هذه الآية استئناف مبين لعادتهم في نفي الشبه عن أَنفسهم، حتى لا يؤاخذوا بقول أو عمل ضد المؤمنين ومن ذلك شهادتهم بأَنهم لم يقولوا ما نسب إِليهم، فالشهادة منهم في حكم اليمين، وقد أَفادت الآية أَن المنافقين اتخذوا أَيمانهم الكاذبة سترة ووقاية عما يتوجه إِليهم من المؤاخذة بالقتل أو السبي أَو غير ذلك قال قتادة: كلما ظهر عليهم ما يوجب مؤاخذتهم حلفوا كاذبين عصمة لأَموالهم ودمائهم، وقال الآلوسي: ويجوز أَن يراد بأَيمانهم شهادتهم السابقة والشهادة وأَفعال العلم واليقين أَجرتها العرب مجرى القسم، وتلقتها بما يتلقى به القسم، ويؤكد بها الكلام كما يؤكد به، فلهذا يطلق عليها اليمين، ونحن نقول: إِن الكلام السابق أَعم وأَشمل، فتدخل فيه الشهادة كسائر الأَيمان، فإِنهم لم يتخذوا الشهادة الكاذبة وحدها سترة لهم، بل جميع أَيمانهم.